الأثنين. نوفمبر 4th, 2024

غموض (الجنرال)  – اخبار السودان

[ad_1]

تقرير: محمد جمال قندول

في أحيانٍ كثيرة يستعصي على المحللين السياسيين والمراقبين تفسير شخصية الرئيس عبد الفتاح البرهان وفك طلاسم الغموض الذي يبدو ملازماً لمواقفه.
ويبدو الجنرال ــ إلى حد كبير ــ كثير الصمت وقليل التبسم وقلّما تفلت منه ابتسامة، ويبدو للمراقب أن (البرهان) يحسب حتى تعابير وجهه.
فالخبرة العسكرية الطويلة والدربة لهما أثر في ذلك، حيث أكمل في أكتوبر الماضي أربعة عقود بالتمام والكمال في خدمة المؤسسة العسكرية بخلاف فترة الكلية الحربية، وكل هذه السنوات الطويلة ألقت بظلالها على الأعوام الشاقة من عمر الفترة الانتقالية وجعلت الكثيرين يشيرون إلى غموض في شخصية الرجل الأول في الدولة، فهل الرئيس البرهان كذلك؟
(1)
منذ بروز البرهان للرأي العام للمرة الأولى إبان اعتصام القيادة العامة في أبريل ٢٠١٩م، بدت على الرجل الصرامة العسكرية التي استمرت معه رغم أن الجنرال يبدو بسيطاً في حديثه وملبسه المدني، ولكن الحديث عن غموض في شخصيته ربما يعود إلى التقلبات الكثيرة في المشهد السياسي والتعقيدات التي مر بها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في إدارته للبلاد التي تخللتها فترات عصيبة، فقد تعرض نظام حكمه إلى عدة محاولات انقلابية من مقربين منه كانت أبرزها محاولة رئيس الأركان السابق الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب وآخرها محاولة اللواء بكراوي، فضلاً عن التعقيدات التي تواجه البلاد وفي مقدمتها أزمة الراهن السياسي. ومازال الرجل ممسكاً بتلابيب زمام المشهد على امتداد ثلاث سنوات وتزيد في واحدة من اعقد الفترات الانتقالية في تاريخ البلاد القريب والبعيد.
(2)
وربما يتعمد البرهان أن يكون قليل الحديث وألا تظهر على وجهه أية انفعالات غاضبة أو العكس، خاصة أنه مجابه بضغوط شديدة في ما يلي علاقة المؤسسة العسكرية مع قوات الدعم السريع تحديداً والازمة السياسية المستفحلة منذ قراراته الذي اتخذها في اكتوبر من العام قبل الماضي.
وتذهب بعض الآراء إلى أن البرهان حين يتحدث بنبرة غضب فإنه يستخدم تكتيك قتل الوقت في التعامل مع الكثير من القضايا هي أقرب ما تكون إلى سياسة النفس الطويل، ويلاحظ ذلك في علاقاته مع الحرية والتغيير المجلس المركزي.
كما ان الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان استطاع ايضاً صناعة علاقات خارجية سواء كانت اقليمية او دولية، ويبرز ذلك من واقع رحلاته الكثيرة خاصة في العام الماضي مشاركاً في عدد كبير من المحافل الدولية والاقليمية، ولعل ابرزها مشاركته في تشييع الملكة أليزابيث الثانية ووجوده في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
(3)
حديث المجالس عن غموض في شخصية البرهان ربما بسبب ميل الكثيرين للمقارنة بينه وبين الرئيس السابق المشير البشير الذي كان يبدو إلى حد كبير كتاباً مفتوحاً للجميع، ويتكئ على البساطة والتواصل مع الناس، وفي نفس الوقت الشراسة المعلنة مع خصومه في الخارج أو الداخل ممثلين في (المجتمع الدولي) وتحديداً أمريكا والحركات المسلحة حاملة السلاح والمحكمة الجنائية.
صحيح أن البرهان غير مجابه بتعقيدات خارجية واضحة، ولكن في أحيانٍ كثيرة حين تراجع تصريحاته تشعر معها بأن الغموض هو السمة الغالبة لبعض العبارات حمالة الأوجه، ومنها حرصه على الحكومة المدنية وفي ذات الوقت تمسكه بوجود المؤسسة العسكرية عملياً في قلب المشهد.
(4)
وما من شك أن أي حديث عن غموض رئيس مجلس السيادة يتجلى في عدم معرفة الكثير من تفاصيل عمله السابق، وإن كانت المعلومات المبذولة بأنه عمل لسنوات في دارفور وشرق السودان وملحقاً عسكرياً في الصين، ويُلاحظ أن غموضه يمتد لأسرته حيث من الواضح أن الرجل يحرص وبشدة على عن أن تكون أسرته الصغيرة بعيدة عن الأضواء، فحتى الآن لم يظهر أي شخص من أفراد الأسرة وحتى السيدة الفضلى حرمه لم تشارك في منشط عام ولم يُر وهو يصطحبهم حتى في البرامج ذات الطابع الاجتماعي، ويدخل هذا في سياق حرصه على أن يضع سياجاً من التكتم على جوانب كثيرة من شخصيته، لذلك يصعب على الكثيرين معرفة حقيقة توجهاته.
وكأحد أبرز الأمثلة على غموض شخصية الجنرال الذي أشرنا إليه، تأتي إجراءات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م التي اتخذها الرجل وكانت مفاجئة للجميع، وتفاجأت بها قيادات الحرية والتغيير التي كانت قبل ليلة تهدد بإيداعه السجن، فإذا بها تجد نفسها خلف القضبان، في حين أنه حتى الرابع والعشرين من الشهر كان البرهان يتعامل بشكل اعتيادي مع قيادات المركزي ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وفي بعض الأحيان يظهر الرجل كأنه شخصية سهلة التعامل معها وأنه واضح جداً، ولكن سرعان ما يكسو وجه الصمت الذي يلفه الغموض ويظهر ذلك خاصة عند استقباله المسؤولين الأجانب.
(5)
ومن الواضح أن رئيس مجلس السيادة يلتزم التزاماً قاسياً بقواعد البروتكول الرسمي خاصة في تعامله مع الاطراف الخارجية، وفي مقابلاته مع الاجانب مثل السفراء او في زياراته الخارجية ويستدل على ذلك بزيارة لندن لتقديم العزاء في الملكة اليزابيث وزيارته الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، والزيارتان تحكمهما قواعد دقيقة ومعقدة من قواعد البروتكول.
وفي جانب آخر يبدو انه اكثر اريحية في اللقاءات الاهلية خاصة عند زيارته لمسقط رأسه (قندتو) او رحلاته للولايات التي يلتقي فيها القيادات والرموز الاهلية والمجتمعية، ولكن ما يلاحظ ويشير الى اصل التقرير في الغموض ان معظم خطاباته وكلماته تتذرع بالعبارات الدبلوماسية الفضفاضة وحمالة الاوجه باستثناء خطابين في مناطق عسكرية وجههما مباشرة للاسلاميين وحزبي البعث والشيوعي بالابتعاد عن المؤسسة العسكرية، وفيما عدا ذلك فإن كل خطاباته الرسمية والشعبية كانت تتسم بالحديث الهادئ.
والملاحظ ان الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان في سلوكه النفسي اثناء القاء خطاباته المرتجلة يتوقف كثيراً، وهذه اشارة الى ان مخيلته في حالة بحث سريع عن الكلمات والعبارات التي لا تلقي اية ظلال او تحسب عليه، وبدا واضحاً ان الجنرال يخلط بين الدهاء العسكري والحذر الدبلوماسي، ويظهر ذلك من خلال لقاءاته مع الرموز السياسية وزعماء الادارات الاهلية.
(6)
ولعل مواقف الرجل حيال التقاطعات السياسية والازمة الحالية التي تختلف من منظور لآخر جعلت شخصيته مثار جدل دائم، فالجنرال يؤكد لهذه القوى السياسية ضرورة ايجاد حل سياسي شامل، فيما تجده في موقع آخر في موقف مغاير.
ويذهب مراقبون الى ان الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان يمارس التكتيك السياسي، حيث استطاع بدهائه حرق الاحزاب السياسية وتعريتها أمام الشباب الثائر، فأسهم في الانشقاقات التي طالت الحرية والتغيير حتى اضحت ثلاثة احزاب وهي الامة والمؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي، واستطاع خلال السنوات الثلاث الماضية أن يكون ممسكاً بزمام العملية السياسية ومتفرجاً على صراعات الاحزاب والقوى السياسية وهي تتصارع حول السلطة.
(7)
ولكن بعض الاصوات ترى ان طبيعة شخصية البرهان الحالية لم يفرضها هو وانما تمت بفعل معطيات ادارته للدولة في ظل ظرف سياسي معقد واقتصادي خانق، حيث ان رئيس مجلس السيادة ظل يمد حبال (الصبر) للاحزاب والقوى السياسية مجتمعة للتوافق الوطني الذي لم يتحقق حتى الآن رغم التوسط الاقليمي والرعاية الدولية لمسار المباحثات الجارية بين العسكريين والمدنيين.
ولكن بالمقابل فإن خبراء سياسيين اشاروا الى ان قائد عام الجيش استطاع ان يدير الدولة بحنكة واقتدار، وحافظ على الاقل على شكلها الحالي دون انزلاقها للفوضى بفعل الاحتقان السياسي، فكان له دور كبير في حفظ الامن، كما ان وصف مواقفه بالمتناقضة غير منطقي، حيث ان الجنرال رئيس لكل السودانيين، وبالتالي يلتقي الجميع ويبشر بالتوافق ويمضي في طريق آخر حسب تقديراته، لجهة انه الاعلى في هرم الدولة وله رؤية مغايرة.
(8)
ويبدو واضحاً ايضاً للناظر لتجربة الرجل في الحكم خلال السنوات الماضية انه بارع جداً في اللعب على المتناقضات بين نخب السياسة والتحالفات، وذلك من واقع علاقاته التي اكتسبها على مدار ثلاث سنوات من عمر الفترة الانتقالية. ويبدو ان الجنرال استفاد من تجربة اول عامين للانتقال بشكل مذهل، مما جعله ملماً بتفاصيل المكونات السياسية في آخر عام ونصف العام.
وتبقى تساؤلات المحللين والمراقبين عن ماذا سيفعل الجنرال حيال الازمة المستمرة، فهل يستمر في المرحلة النهائية للاتفاق الاطاري ويتحمل تبعات لعنات الغاضبين والرافضين؟ ام انه يستطيع ان يتجاوز هذا المطب سواء بتوسعة الاتفاق او الاستعانة بحل آخر؟ وهنا يجزم المراقبون بأن عنصر الزمن لم يعد يكفي لقتل الوقت، خاصة ان الازمات تتزايد والتعقيدات تتمدد، وبالتالي هل ينجح البرهان في فك شفرة المشهد بحل سياسي شامل، ام ان له رأي آخر؟

المصدر من هنا

[ad_2]

Source link

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)