السودان لحمه مر..
بقلم :حامد النصيح
من المعلوم بالضرورة أن الحروب تغيير تركيبة كل شيء وتظهر كل التفاصيل لمختلف لأوجه الحياة بصورة سافرة ويأتي هذا التغيير في سياق طبيعي لما تفرضه الحرب من حالة القوة القاهرة مثلها مثل الكوارث من زلازل وبراكين.
ولكن الراصد لهذه الحرب المفروضة على الوطن، أنها تختلف في استراتيجياتها وأهدافها المعلنة وغير المعلنة اختلافاً مثيراً للشك وذلك لغموضه وابعاده الخبيثة، التي بدأت تتكشف عن سائر ما عرفناه وشهدناه من حروب قدميها وحديثها، و الملفت للنظر أن هذا التدمير المقصود والممنهج والذي احسب ان جهة ما تقف وراءه وتنفذ الأهداف التدميرية بصورة دقيقة ونوعية لشئ خطير يهدف لضرب الوطن في مقتل، حتي يصبح لقمة سائغة يسهل ابتلاعه، لنصبح ونجد واقع جديد مفروض على البلاد والعباد (لا قدر الله)، لا نريد ان نطلق التشاؤم جزافاً ولكن القراءة المتأنية لما يحدث امام ناظرينا الآن هو بالذات واقع ما ننقله بكل رؤية ثاقبة وتحليل دقيق لا مفر منه، والكل بدأ يعي ويستشعر خطورة ما يحدث، وحتى تزول الغشاوة من على عين من به رمد ، ويصخ السمع على من بإذنه صمم، ولتتضح الرؤية والاهداف المستترة للقاصي والداني عن عظم هذا المخطط التدميري، الذي لا يستهدف خيرات البلد فحسب بل يستهدف اكثر من ذلك وأعمق وهو وجود الدولة نفسها ويسعى لإزالة الوطن من الخارطة، لاحداث خارطة وفرض واقع مغايير، نستشف ارهاصات هذا الواقع ببدء عمليات التهجير والنزوح الذي ينتظم العاصمة وممن حولها وهذا يراد به تغيير ديموغرافي لخارطة السودان الطبيعية والسكانية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتبين للمتابع والراصد ان من اهداف هذا المخطط هو تدمير البنية التحتية للعاصمة واستهداف مناطق غير عسكرية وتدميرها مثل البنوك الأسواق والمرافق الخدمية والمواقع والإدارات البحثية والعلمية والاجتماعية ومحو محتوياتها وهذه المواقع تمثل روح وقلب السودان النابض وذاكرته التاريخية والاجتماعية والثقافية، وعندما تستطيع تلك القوى الغاشمة من تدمير قلب الوطن بالتأكيد ستشل وتوقف كل حركة اقتصادية واجتماعية وعلمية كانت تنتظيم باقي انحاء الوطن، كما ان تلك القوى المعتدية تستطيع بسهولة اشعال الفتن وازكاء نار الحروب الاهلية ليدمر الوطن نفسه بنفسه نتيجة هذا المكر ، وفقاً لتلك الأهداف والخطط التي ذكرناها آنفاً، بالإضافة الى صنع الفوضى بإطلاق سراح عتاة المجرمين من السجون، لتكون البلاد عرضة لمزيد من زعزعة الامن وتعكير الماء لتمكن من يريد ان يصطاد في الماء العكر ان يصطاد بكل سهولة ويسر ويمارس افعاله الاجرامية تحت هذا الغطاء، كما تحدث زعزعة للامن وإبطال مفعول أي معالجات امنية واقتصادية يسعى لتفعيلها المواطنين حتى يستطيعوا ان يسيروا أمورهم الحياتية، كما تساعدت هذه المخططات من زعزعة مثل وقيم وأاخلاق الناس فمعها يعم الجشع ويكثر النصب والاحتيال وتتغير الاخلاق ويصبح بعض الناس بلا وازع من دين او ضمير ولا اخلاق، ويتدنى تبعاً لهذا وللظروف الراهنة مستوى قيم النجدة والمرؤة المعهودة في الشعب لان القهر والضغط الواقع على الناس أقوى أن تتحمله نفس بشرية ، فتتغير تبعاً لذلك كثير من المثل والقيم مقارنة بباقي المناطق التي يسودها الامن في الولايات المختلفة.
في خضم هذا الواقع نجد أن هنالك ثلاث جبهات يضعفن قدرة السودان على التعافي، وكل لها مصلحة فيما يحدث فمنها جماعة حكمت حين من الدهر حتى أصابها سعار السلطة فلا زالت جاهدة تسعى لاستعادة كرسي الحكم حتى تستطيع من تحته من ممارسة شهواتها الدنيوية الزائلة، وجهة ربوها وتربت فيهم وليدة حتى أصبحت مارد وتمرد عليهم ويسعى للقضاء على الأخضر واليابس، وجهة ثالثة رعناء مصابة بداء الغباء، وقصر النظر السياسي، تسعى لعقد تحالفات مشبوه ظناً منها انها تستطيع ان تتسلق وتصل الى مراقي الحكم بهذه الطريقة الساذجة، وفئة أخرى صامتة مغلوبة على امرها لا تهش ولا تنش وهي تمثل بعض السواد من الناس حيث تسيطر عليهم السلبية اتجاه الوطن واللامبالاة والتي هي اخطر الصفات التي تأخر الوطن وتشل من قدرته على النمو والحركة في كل مفاصله الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وهذه الفئة يتدنى عندها الحس الوطني لأدنى مستوياته فلا يهمها الحاصل وتنظر لمصلحتها دون مصالح الوطن والتي يحتاج منا للكثير من الجهد والإخلاص والتجرد والعرق حتى نستطيع ان نبنيه.
النخب الواعية والشباب المتجرد الحادب لبناء سودان المستقبل والاعلام الحصيف يمكن ان يسهم اسهاماً ملموساً في تقليل الفقد وفتح كوة الأمل للمواطن والتبشير بقيم البناء وحث الناس على البذل والعطاء وانارة طريق المستقبل للأجيال القادمة على هدى وبصيرة من التدين المستنير المخلص في حبه لخالقه و وطنه وامته، الاعلام خلال هذه المرحلة يقع على عاتقه عبء كبير ومسؤوليات جسام وهو يحمل شعلة الامل وبشائر المستقبل لسودان جديد قوامه الوحدة والعدل والسلام والمحبة والحرية.. ويجب على الإعلام ايضاً أن يظهر لنا كل ألوان المواقف التي تنتظم أطياف المجتمع بمختلف دراجتها، ليسهم في رفع الوعي وزيادة جرعة المسئولية وسط المواطنين.
فمع كل هذه التغييرات التي تنتجها آلة الحرب نجد تبعاً لذلك يجب ان يتغير الاعلام وطريقة تناوله للأحداث وتحليلاته وتحريره للأخبار ونوعية المقالات وتناولها للقضايا الراهنة بكل مهنية يحفها حب الوطن ومؤازرة قوات الشعب والشد من أزرها والوقوف خلفها بدحض الشائعات وتزويد المواطن ومده بالأخبار ذات المصداقية التي تمكنه من رؤية الأمور على حقيقتها وابعاده من كل ما يزيف الحقائق في ذهنه ورفع معنويات الجنود والسعي لخلق تلاحم بين الشعب وقواته المسلحة.. لماذا نخص الاعلام بهذه المساحة لأنه اكثر القطاعات تأثراً وتأثيراً، فمحصلة الاعلام النهائية وتفاعله مع الواقع المعاش الذي تفرزه وقائع الحرب هي ما يحدد مدى تأثير الاعلام على الواقع الجديد سلباً أو ايجاباً بحسب حصافة ومقدرة وتأهيل القائمين على امر كل مرفق اعلامي، وكيف يقودون مراكب اعلامه وسط هذا الخضم المتلاطم من الاحداث التي بجانب الخبرة الإعلامية تفرض تبني مواقف مختلفة بحسب تقديرات كل طرف ورؤيته برغم ان الإعلامي الصحفي يجب ان يكون هو المهني المحترف وهو المحنك الذي يسبح وسط أمواج السياسة في بحرها المتلاطم، ولكن برغم من مهارته أحياناً تتجاذبه الانتماءات وتؤثر عليه معتقداته التي تشربها وجدانه من قبل والتي دائماً تتطلب ان يزيح كل هذه التراكمات إلا تراكمات حب الوطن وتمجيد قدسيته ورفع شأنه بالتي هي أقوم وتبشير الشعب ومنحه الامل حتى يستطيع السير قدماً لتحقيق تطلعاته وآماله وبناء وطنه بكل همة ونشاط .
دائماً حق علينا ان نحي قواتنا المسلحة التي يقع عليها العبء الأكبر في حماية الدين والأرض والعرض والوطن.. وثقتنا كبيرة في الله وفي جيشنا وهو تصدى لهذه المؤامرة التي حيكت بليل، وبعون الله ستتكسر سنان هذه المؤامرة على صخرة قوات الشعب المسلحة والشعب الصامد الذي يقف خلف جيشه يقابل الشدائد والمحن بكل جلد وصبر وإيمان، الأمر الذي يفرض علينا استحقاقات كثيرة لنقدمها لهذا الشعب الطيب الذي ينشد السلام والعدل والحرية، فالنعمل كلنا جاهدين لإسعاده و وضعه في المكان الذي يليق به كأمة محترمة من بين الأمم..
والله من وراء القصد، هو مولانا نعم المولى ونعم النصير..
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط