*علاقة الحركة الإسلامية بالجيش السوداني من الصدام إلى الانسجام*
إبراهيم عيسى هدل
hadalcom@hotmail.com
بخلاف منهج الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي المتوجس والمصادم للجيوش الوطنية فإن علاقة الحركة الاسلامية السودانية بالجيش السوداني اتسمت بمساحة واسعة من التعاضد والتناغم، وكلما واجهت القوات المسلحة السودانية أزمات ومصاعب إلا وكانت الحركة الاسلامية سباقة لدعم الجيش بالمال والسلاح والرجال، وإن لم تخل علاقة الجيش بالحركة الإسلامية من شد وجذب وقطيعة وصدام أحيانا بحسب الأنظمة الحاكمة بالخرطوم .
في مرحلة الصدام أُتهم المراقب العام للاخوان المسلمين الرشيد الطاهر بكر بالمشاركة في انقلاب المقدم علي حامد عام ١٩٥٩م ضد نظام ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ بقيادة الفريق إبراهيم عبود وحكم على الرشيد الطاهر بكر بالسجن لخمس سنوات ثم أطلق سراحه عام ١٩٦٣م، واستنكرت جماعة الاخوان المسلمين بالسودان تلك المشاركة بالمحاولة الانقلابية لأنها لم تكن بمشورة منها، أو بموافقة من أجهزتها التنظيمية.
وإثر ثورة اكتوبر ١٩٦٤م وقف د.حسن الترابي سدا منيعا دون محاسبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وفاء للعهد الذي قطعته الثورة لعبود بعدم الملاحقة القانونية والقضائية حال تنازله عن السلطة للمدنيين والثوار.
حدثت مواجهات بين الحركة الإسلامية والجيش في عهد الرئيس جعفر نميري أولها في أحداث الجزيرة أبا وود نوباوي في مارس ١٩٧٠م بتحالف الإخوان المسلمين مع كيان الانصار وحزب الأمة والتي انتهت باستشهاد الإمام الهادي ورفاقه كما استشهد القيادي الإسلامي محمد صالح عمر دفاعا عن الإمام بالجزيرة أبا.
وكانت المواجهة الثانية عام ١٩٧٦م بحركة العميد محمد نور سعد الشهيرة بحركة المرتزقة وفشل تلك المحاولة الانقلابية ساق الحركة الإسلامية لمصالحة نظام مايو وجعفر نميري ومن ثم بداية صفحة جديدة مع القوات المسلحة.
قادت الجبهة الإسلامية القومية “مسيرة أمان السودان” الشهيرة في الخامس من سبتمبر عام ١٩٨٥م لدعم وتأييد الجيش أيام الانتفاضة وعهد الفريق أول عبدالرحمن محمد الحسن سوار الذهب تلك المسيرة التي خاطبها قادة الجيش بالمجلس العسكري الانتقالي وتم خلق رأي عام ضد محاولات التجمع الوطني لانقاذ الوطن للتقرب من الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق .
وفي عهد الديمقراطية الثالثة ذهب الإسلاميون بقيادة زعيم المعارضة على عثمان محمد طه للكرمك وقيسان تضامنا مع الجيش لتحريرهما من احتلال الجيش الشعبي لتحرير السودان، فموقف الحركة الإسلامية المساند والمتضامن مع القوات المسلحة مهد الطريق لاختراق واسع للأجهزة النظامية والاعداد للاستيلاء على السلطة في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م.
ولعل فطنة د.حسن الترابي لدور الجيوش الحاسم في المعادلة السياسية في دول العالم الثالث جعلته يكون قريبا جدا من قيادة المؤسسة العسكرية فلم يصادمها إلا نادرا وربما مضطرا الصدام الأول لحسن الترابي بالجيش وقع بمجلس وزراء حكومة الصادق المهدي في الربع الاول من عام ١٩٨٩ في ملاسنة شهيرة بين وزير الخارجية د. حسن الترابي وقتها ووزير الدفاع الفريق أول عبدالماجد حامد خليل الذي تناول الخيار الاستراتيجي للدولة نحو السلام ليرد الترابي عليه “اذا تحدث وزير الدفاع عن السلام فماذا يتناول وزير الخارجية ؟!” مما دعا وزير الدفاع لتقديم استقالته ثم صدرت مذكرة الجيش التي اسقطت ائتلاف حزب الأمة القومي مع الجبهة الإسلامية القومية وجاءت بحكومة القصر التي اسقطها انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م .
الصدام الثاني حدث إثر المفاصلة بين الرئيس عمر البشير ود.حسن الترابي رئيس البرلمان برمضان الموافق لعام ١٩٩٩م وعرفت المفاصلة بصراع القصر والمنشية حينها انحاز أغلب الشعب لصف الرئيس البشير القائد الأعلى للجيش وحظي بتأييد إقليمي ودولي للاطاحة بنفوذ د.حسن الترابي المتعاظم على الدولة .
وتبدو غلطة الشاطر حسن الترابي بعشرة حين توهم وقوف الشعب بصفه ضد قائد الجيش الذي اتى به للسلطة وربما تكون تلك الغلطة شبيهة بغلطة ـ بل خطيئة ـ قوى إعلان الحرية والتغيير التي هاجمت الجيش بميدان اعتصام القيادة العامة قبل توليها الحكم ووسعت الهوة بينها وبين القوات النظامية حتى وجدت نفسها خارج السلطة في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣م، وبتحالف قحت المركزي مع الدعم الصريع توهمت القوى المدنية ضعف الجيش وقدرة مليشيات الجنجويد وقائدها حميدتي على السيطرة على البلاد بسهولة وفشل مشروعها في الانقلاب والانقضاض على السلطة في ١٥ ابريل المنصرم وأدخلت المليشيات في حرب ضروس ضد جيش لا يهزم مقدمة مرتزقة المليشيا قربانا في مفرمة الخرطوم، ليتسول قادة مليشيا الدعم الصريع وذراعم السياسي بمجلس قحت المركزي وقف الحرب وبدء عملية للتفاوض لعلها تعيد جرحى ومصابي الإتفاق الاطاري لكراسي السلطة فيما تبقى من الفترة الانتقالية بالاتكاء على قوة مرتزقة الدعم الصريع، الذين يتحدثون عن سيطرة متوهمة على العاصمة المثلثة بنسبة ٩٠٪ ويعجزون عن إظهار قائدهم متجولا بين جنوده في أماكن سيطرته كما يظهر إعلام الجنجويد في لايفات السيطرة المزعومة على ولاية الخرطوم!!
لقد أكتسب الحركة الإسلامية السودانية خبرة سياسية عميقة طوال العقود الماضية ومقدرة فائقة على إدارة الصراع بتكتيك محترف لا يقارن بمقدرات خصومها من النشطاء السياسيين المتواضعة وإمكاناتهم المحدودة جدا ويلاحظ ذلك بتفتيت التجمع الوطني لإنقاذ الوطن إثر انتفاضة مارس ابريل ١٩٨٥م وتكسير تكتل قوى إعلان الحرية والتغيير بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨م وتفريقه أيادي سبأ.
وموقف مجلس قحت المركزي من الحرب والمنحاز تماما لمليشيا الدعم الصريع ضد الجيش الوطني مهد الطريق لعودة الحركة الإسلامية بقوة لدائرة الحدث وسيكون له بالغ الأثر على ترتيب أوضاع السودان ما بعد الحرب، فالمنتصر هو من يفرض شروطه وعبثا يحاول خصوم الجيش تحقيق انتصار سياسي بالتفاوض لم تمهد له بندقيتهم بأرض المعركة .
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط