الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

*ديمقراطية السودان بلا ديمقراطيين*

إبراهيم عيسى هدل
hadalcom@hotmail.com

ترفع الأحزاب السياسية شعارات الديمقراطية اللبرالية دون أن يكون لها حظا من التطبيق الفعلي داخل تنظيماتهم ومؤسساتهم الحزبية التي تقدس رأي الزعيم الملهم من قبل مريدي الإمام أو المرشد أو الشيخ المبجل أو الأستاذ المطاع والمفتتن بآرائه وأفكاره غير القابلة للنقد والجرح والتعديل !!
غابت الممارسة الديمقراطية لأكثر من ٥٠ سنة من حياة السودانيين فأصبح خلاف الرأي يفسد للود قضية ويجلب الكراهية والحقد والغل والخصومة الدائمة، في ظل سيادة ثقافة امتلاك الحقيقة المطلقة والغاء الآخر واستئصاله من الوجود، وتحكم عقلية الاستئثار بالثورة والاستحواذ عليها وتصنيف الخصوم بتهم سدنة النظام المايوي، وفلول حكم الإنقاذ، وعدم الاعتراف لهم بحق الحياة رغم الزعم بأن هدف الثورة إقامة الحرية والسلام والعدالة ودولة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة بلا تمييز !!

في محاضرة إسفرية بداية ثورة ديسمبر للدكتور عبدالله أحمد النعيم تناول فيها مسألة حقوق الإنسان وذكر أن حقوق الإنسان التي يجب الحرص على مراعاتها هي حقوق الخصوم بالسجون والمعتقلات احتراما لسيادة حكم القانون وعدم انتقاص حقوقهم بمحبسهم في الدفاع والتقاضي.
ربما توفرت بعض هذه الاجراءات العدلية في عهد الثورات ولكنها لم تكن كافية في ظل الإدانة السياسية المسبقة وتوجيه الإعلام والرأي العام للانتقام من الخصوم السياسيين .

لم يجر الحوار داخل برلمان حزب الأمة بين أبناء الإمام الراحل الصادق المهدي عبدالرحمن والصديق وبشرى وأخواتهم ولا بين مبارك الفاضل المهدي وفضل الله برمة ناصر وغيرهم من زعامات أحزاب الأمة “د.الصادق الهادي ومسار ونهار . . إلخ”.
وكذلك الحال في الحزب الاتحادي الديموقراطي المتنازع على قيادته بين أبناء السيد محمد عثمان الميرغني جعفر الصادق ومحمد الحسن الميرغني وغيرهم من القيادات “عصمت وفيصل، الهندي وهجو، بلال وإشراقة”، والكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك !!.

دار سجال في الجمعية التأسيسية ـ برلمان الديمقراطية الثالثة ـ وملاسنة شهيرة بين مبارك الفاضل المهدي وزير الداخلية وقتها والوزير الاتحادي الأسبق محمد يوسف أبو حريرة الذي رد على مبارك بقوله السيد الوزير ثم استدرك (وأقول السيد احتراما للمنصب)، فما كان من مبارك الفاضل إلا أن يرد على أبو حريرة بقوله : (شهادة الدكتوراه التي تحملها عكفت عشرة سنوات للحصول عليها) !!
هذا نموذج للديمقراطية التي تربى عليها جيل الانتفاضة قبل أن تأتي ثورة ديسمبر بثقافة الردم التقيل و”الحل في البل” !!

تناول د. جعفر شيخ إدريس في ندوة أُقيمت بقاعة الشارقة جامعة الخرطوم بداية التسعينيات قضية الشورى المزيفة التي تعتمدها التنظيمات الإسلامية المختلفة منتقدا تجربة د.حسن الترابي في قيادة تنظيم الجبهة الإسلامية القومية وقبضته الحديدية على مفاصل التنظيم الذي صعد للحكم في عهد الإنقاذ موحدا وخرج منها منقسما لمؤتمر وطني وشعبي وإصلاح الآن ومنبر السلام العادل وحركة العدل والمساواة وغيرها من تنظيمات الإسلاميين التي تحمل داء الولاء المطلق والطاعة العمياء لأمير التنظيم!!

يبدو لي أن الحديث عن ديموقراطية ولبرالية اليسار الأممي (الماركسي اللينيني) أو اليسار القومي العربي اتباع صدام حسين أو حافظ الأسد أو جمال عبدالناصر حديثا متناقضا جدا مع تجارب حكم ستالين وصدام وحافظ وناصر الشمولية والدكتاتورية ولا يعتد به حتى لو غسلت أحزاب اليسار الشيوعية والبعثية والناصرية في برك الديمقراطية اللبرالية سبعا إحداهن بالتراب !!

نشر الإمام الراحل الصادق المهدي “المخضرم” مذكراته بمجلة التضامن اللندنية ـ التي توقفت عن الصدور ـ في الثمانينيات من القرن الماضي بعهد رئيس تحريرها فؤاد مطر ، متناولا ذكريات الدراسة بجامعة اكسفورد وواصفا اتحاد طلابها بمثابة برلمان مصغر يشابه مجلس العموم البريطاني خاصة عند عرض قضية للنقاش بشكل دوري باتحاد الطلاب وتبادل الآراء بين المؤيدين والمعارضين للقضية المطروحة.
ومن مذكراته يتبين أن ديموقراطية وستمنستر وليدة ممارسة سياسية تربى عليها النشء في مدارسهم وجامعاتهم .
فأين هي محاضن الممارسة الديمقراطية بالسودان ؟! وهل تصلح ثقافة أركان النقاش لافحام الخصوم وبلهم وسيلة تأسيس لبناء ديمقراطي سليم ؟!!

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)