الأحد. سبتمبر 8th, 2024

في ذكرى أكتوبر.. ديسمبر : مأزق البحث عن شاعر وشعار !

هذه رؤاي

عبد العزيز عبد الوهاب

هل يمكن القول إن ثورة ديسمبر قد وقعت في شر شعاراتها وأشعارها ؟ وهل يمكن الجزم بأن نبوءة الشاعر محي الدين الفاتح قد تمثلت بياناً في المشهد الثقافي الذي أنتجته ( ديسمبر المجيدة) فبتنا وجها لوجه أمام :
زمان نضبت فيه
النبواءات
وجافته البطولات
فلا نبوءة شعر ولا بطولة شاعر .. حيث غابت الجزالة اللفظية والبراعة الشعرية وتحاتت حافظة البلغاء الأصفياء ، فتسربل الفضاء وتغطى بكل عويص غميس ، بكل غث وغثاء ، صادم للمكارم وخادش للمحارم .

حتى كان شاعر الثورة ( واحد كدا مقطوع طاري ..كيف.. كيف)

أما أشهر اغنياتها فكانت :

بس إنت حاول بيت
فرشة ومعجون نديك
شاي الصباح نسقيك
زلابية نجازفا ليك
تلفونك نشحنو ليك
رصيد ونحولو ليك
كنداكة نعرسا ليك
لو أبت نحنكا ليك
سجارة نولعا ليك
سفة ندردما ليك

و(نشيد) حامض آخر يقول مطلعه :
تنكي ترنكي
تريلا خشٌ البنكي .

ولم تنج مسميات القوى المحركة للثوار والثورة ، من الوقوع في فخاخ اللغة العجفاء الجديبة من كل تذويق وتشويق ،فخلت من صفاء الخيال حتى انتهت إلى سوء المقال ، فقوى الحرية والتغيير التي يرمز لها اختصارا ب( قحت) كانت اقرب نطقا ووزنا ومعنى لكلمة ( قحط) ، فكان الاسم والاختصار شؤما ووبالاً عليها، دالاً على تنكبها ، حرثا وغرسا ، فما نفعت حيث وقعت ولا كسبت متى أفلحت ، جدٌت اوشمٌرت .
لكنها تسمرت وتنمرت ثم أفضت إلى حضيض التوصيف والتصنيف ، ليس في الشارع العريض وإنما حتى عند الذين انتخبوها لتحقيق تطلعاتهم لرؤية السودان شامخا بين الأمم.

ثم كانت قحت / قحط نوالًا سهلا للمتساهمين وانتياشا مأمونا للمتبارين ، حيث لم تنل من إسمها حظا مما أُنتدبت له ، من جموع الثوار الأبرار ، كأن من سماها لم يسمٌِ الله أو يكبٌره حين ذبح لها فناداها / قحت ، فولدت ( خليقة خديجة) حيث ما حققت حرية ولا بسطت سلاما ولا أنجزت عدالة.

ثم هاهي اليوم تفزع هاربة من اسمها وجلدها بعد أن عافه القوم وتحاشوه ، ليكون مسماها الجديد في يوم الناس هذا ( الجبهة المدنية لوقف الحرب ) والذي أخشى أن يطلع علينا غدا من يشتت شمله ويبدد مجتمعه .

وفي زمن الخسوف اللغوي وتراجع الإشعاع الشاعري ، لا نملك إلا استدعاء أشعار وأسمار
تورة مايو 1969م التي فجرها الشيوعيون بقيادة العقيد جعفر نميري ، وكان لشعراء اليسار دورهم البارز في إلهام الجماهير وإلهاب حماسها باغنيات خلدت طويلا في ذاكرة الشعب .

تلى ذلك ثورة ابريل 1985م التي تفجرت في وجه الرئيس النميري نفسه ، فكان لقاء العمالقة محجوب شريف ومحمد الأمين في قصيدة ( السودان الوطن الواحد) وغيرها الكثير الذي ردده الفنان وردي وابو عركي ومحمد ميرغني وحمد الريح .

بيد أن صفوة المنتوج الأدبي الرائع ، نثرا يبارز الشعر في البراعة والنجاعة قد تولد غداة تفجر ثورة أكتوبر الأخضر 1964م ضد حكم الفريق عبود .

وسطع حينها نجم الشاعر محمد المكي إبراهيم الذي أنتج قصائد الاكتوبريات التي برع في أدائها الفنان محمد وردي :

بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرضُ تغني

والحقول إشتعلت ..
قمحا ووعداً وتمنـي

والكنوز انفتحت ..
في باطن الأرض تنادي

بإسمك الشعب إنتصر .. حائط السجن إنكسر

بيد أن ما تستحق أن ترفع لها القبعات من بين جميع ما أشعره الشعراء إحتفاء بأكتوبر هي ملحمة الفتى العشريني يومها هاشم صديق، الذي أبهر السامعين بملحمته الشهيرة ( قصة ثورة) التي أبدعها تلحينا الموسيقار محمد الأمين وأداها معه نخبة من الفنانين وفيها يقول هاشم :

لما الليل الداجي الطوّل

فجر النور من عينا إتحول

كنا نعيد الماضي الأول

ماضي جدودنا الهزمو الباغي.
وهدوا قلاع الظلم الطاغي

وبكلمة فإن هذه السياحة المختصرة لم تذهب إلى فحص الأداء السياسي للحكومات المتعاقبة ، ما سما منها ذكرا أو هبط أثرا ، فذلك شأن آخر نرجو أن لا يكون هنا موضوعه ، وإنما هي محاولة لقراءة واقع الحال الفكري والإبداعي للسودانين للفترة ما بعد الاستقلال حتى اليوم .

         ودمتم

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)