الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

نعيماً

( هذي رؤاي)

عبد العزيز عبد الوهاب

ألو : مستر ايدان فيلان؟
* نعم !
** معاك مدام فيكتوريا .. أرجو شاكرة السفر عاجلا بأول طائرة قادمة من لندن إلى طوكيو للقيام بإعادة تشذيب شعر زوجي كابتن بيكهام ،التي أفسدت الأمطار تسريحته أثناء مباراة انجلترا والدنمارك أمس ، وتعلم أن تسريحة القائد بات يقلدها مئات الملايين حول العالم كما ترى .

وتابعت : أرجوك سيد فيلان _ الذي أختير وقتها أفضل مصفف شعر في بريطانيا_ أن تهبٌ عاجلا لدعم ( قضية انجلترا).

نعم إنها قضية ! ليس في انجلترا بلد القصة والرصة، وإنما حتى في بيوتنا الصغيرة المتردية ، فحلاقة الشعر لم تعد كما كانت (صلعة قرعة أو جبنة) أو نمرة 2 ، يتولاها مزيٌن عجوز ، بلاجدارة ولا مهارة ، (بعطيٌة) لا تسمن ولا تغني ، مما أجراها مثلا يضرب للعطاء غير الجزيل .

فقد أصبح قص الشعر حكاية أو بالأحرى حرابة تقوٌم النٌفَسْ بين الأولاد ؛ صغارا وشبابا ؛ والآباء بسبب التقليد الذي يتمسك به ( أولاد الزمن دا) والذي يأباه الآباء وربما المجتمع في عمومه .

وكم من مرة شهدت أحياء الخرطوم حملات كانت تتقصٌد ذوي الشعر المنكوش أو المتدلي إلى الأكتاف الذي يتداخل في صاحبه الذكوري مع الأنثوي ، فتقوم الشرطة بحلاقته تماما وربما تأنيب صاحبه أو تأديبه بالأحرى.

عرف الناس الحلاقة منذ القدم ، وكان الحلاق يجمع بين عدة مهن أهمها الحجامة وخلع الأسنان ، وكان يسمى ( الحلاق الجراح) ، أما شعار الحلاق فعبارة عن عامود يشير لمكانه . يطلى باللونين الأبيض ويرمز للمنديل والأحمر ويرمز للدم الذي يتدفق من الرأس أو الأسنان .

ومع التطور في حياة الشعوب ، وجدت الحلاقة فرصتها لمغادرة مربع الفلس والخمول ، خصوصا بعد سطوع نجم الفنانين والرياضيين كرونالدو ونيمار، ومادونا وجوليا روبرتس ،الذين ينفقون على تصفيف شعرهم عشرات آلاف الدولارات حتى أصبحت تسريحاتهم تقليعات عالمية أشبه بالماركات المسجلة .

وبلغت شهرة الحلاق حدا ، جعل من الانجليزي ( كين موديستو) يحدد سعرا لقصة الشعر الواحدة للجنسين يتراوح بين 23 و30 ألف دولار ، بينما يتقاضى استيوارت فليبس 16 ألف دولار لكل قصة شعر .

وفي السودان تتراوح المهنة بين مد وجزر ، حسب الحالة المادية للناس ، حيث يلجأ البعض للحلاقة في البيت مجانا وبماكينة متواضعة ، بل هناك من تحلق له بنته أو زوجته ( كيفما اتفق) .

لكن الشباب يختارون الصوالين الفخمة ذات الأجرة المرتفعة، والتي تحقق لهم رغباتهم في القصة التي يرغبونها والتي غالبا ما يحتفظ الحلاق بألبوم لها وبعضها يشمل حتى ( شيل الحواجب) وعمل القناع .

تكتسب بعض الصوالين شهرتها من زبائنها من المشاهير وأولاد العز ، وبعضها من إسمها الغريب كصالون( الفن ) الذي يرتاده المطربون أو صالون زعمطة أو شلاقة للحلاقة .

وبعضها اكتسبت شهرتها من أصحابها كحلاق الجامعة ( حمودة) الذي اشتهر بخفة دمه . ومن ذلك يحكى أن مدير الجامعة المرحوم البروف النذير دفع الله جلس ليحلق عنده وكانت مقدمة شعره عبارة عن صلعة فقال له حمودة : خالي ذهن يا سعادتك ، ومنها قوله لأستاذ : ان ولده لن يقرأ إلا في جامعة الدول العربية .

وحلاق الجيش ( أبو مية)
الذي تنقاد له رؤوس كبار الضباط يحركها شمالا ويمينا، مما لا يتأتى لغيره ، وهذا ما جعله يتباهى به ويتفاخر . وكثيرا ما كانت الصوالين مكانا للحكي والثرثرة بين الحلاق وزبائنه يشمل ذلك الكلام في ( الفارغة والمليانة) .

لم تعد الحلاقة مهنة حكرا على الرجال فقط ، فالمصرية ( رغد ) افتتحت صالونا فخما تقوم فيه بالحلاقة بنفسها.

لا جدال في شرف المهنة رغم تراجع العائد المادي ، لكن هناك من يحكم بحرمة الأموال التي تحصل من حلاقة ( اللحى) فهذا منكر بحسبهم والعائد منها خبيث.

للرسام الإسباني الشهير بيكاسو قصة طريفة مع حلاقه ايجينيو ارياس حيث جمعهما المنفى في باريس وتوطدت علاقتهما حتى وفاة بيكاسو في
العام 1973م ، وكان الحلاق يرفض أن يتقاضى أجرا نظير حلاقته لشعر صديقه وابن بلده .

لكن كان بيكاسو يكافئه
كل مرة بإهدائه لوحة
حتى جمع الحلاق 60 لوحة للرسام العالمي ، وبعد وفاة بيكاسو تدفقت العروض المليونية على الحلاق لشراء هذه الكنوز الثمينة ، لكنه كان يرفض تماما.

وقرر الرجل العظيم التضحية بهذه الثروة فقام بإهداء هذه الثروة إلى قريته الصغيرة التي تقع شمال العاصمة مدريد ، لتصبح بلدته التي افتتحت بالعام 1985 متحفا أطلقت عليه ( متحف حلاق بيكاسو) مزارا عالميا يؤمها السياح من كل البقاع.

وتوفي الحلاق في العام 2008م وودعته القرية واسبانيا كما يُودع العظماء بأسخى عاطفة وتبجيل .

وفي عالم اليوم حيث يتفنن الشباب في قصات الشعر ، يحدث أن يخرج البعض من الحلاق بشعر ربما يكون أكثر مما دخل به ، حيث لا يتعدى ما ينجزه الحلاق سوى عمل( شلخة) أو شوية (مدرجات) لا تصل إلى التٌفة .. فهل يستحق هذا الحالق المزعمط أن تبادره بالقول : نعيماً !؟

          ودمتم

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)