الأحد. سبتمبر 8th, 2024

*إختراق في حالة التكلس السياسي*.

بقلم د. محمد عثمان عوض الله

أربعة واجهات تتحكم بصورة أو أخرى في المشهد السياسي السوادني. كل واحدة منها، ومن طرف واحد، تضع رؤيتها للحل، و تحمل المسؤولية على الأطراف الأخرى وتفرض شروطها تجاه علاقتها مع الآخر. حالة حادة من التمترس، والقطيعة والاستقطاب السياسي والاجتماعي. والسؤال هو ماهي هذه الأطراف، كيف كونت رؤيتها، نقاط التلاقي والإختلاف، وهل يمكن وضع مقترحات محددة ومقبولة، بحيث تقدم إختراق ملموس لحالة الجمود، ينتج عنها تلاقي ولو جزئي؟ وأخيرا ما هي الالية المناسبة لتنفيذ مقترحات الحل؟ يحاول هذا المقال تقديم اجابات ولو أولية على هذه الأسئلة.
أولا قحت المركزي بمسمياتها المختلفة
1/ كانت لها ولحكومتها، شرعية ثورية. لكنها اساءت استخدامها وقدمت تجربة سياسية وتنفيذية فاشلة، وفوق أنها فقدت هذه الشرعية، وفقدت مصداقيتها وفقدت كل السند الشعبي بتهمتي الفشل والعمالة، فانها بالتالي فوق كل ذلك، فقدت إمكانية عودتها للحكم مهما كانت متخفية خلف اي واجهات، إلا عبر تفويض انتخابي. قحت المركزي ليست مؤهلة لتنفيذ أي حلول أحادية خاصة فيما يتعلق بالاقصاء، أو إعادة هيكلة الدولة والمجتمع.
2/ بعد خسارة مشروعيتها الثورية، تحولت قحت المركزي الى منهج الاستعانة بالروافع للوصول الى السلطة مهما كان ذلك فاقدا للشرعية. لكنها في هذا المضمار، فقدت رافعة الجيش كما فقدت أيضا، رافعة قوات الدعم السريع. ولم يبق لها الا رافعة المجتمع الدولي، بالإضافة الى تكوين روافع محلية بأسماء رنانة لكنها لم تفوض قحت المركزي لتتحدث باسمها، مثل لجان المقاومة واتحاد المهنيين. أما فيما يتعلق برافعة المجتمع الدولي فقدت فقدت فولكر، وفقدت جزء كبير من الاهتمام الأمريكي لإنشغاله بقضايا أخرى ولتحفظه على تجربتها السابقة وعلى علاقتها بالدعم السريع.
3/ ماتزال قحت المركزي تستطيع أن تقدم مبادرات، وماتزال تثابر على العمل السياسي والاعلامي وعلى تقديم نفسها كممثل للمجتمع المدني. ماتزال تستطيع الحصول على راعي دولي (الاتحاد الافريقي+ الامارات)، ماتزال تستطيع الحصول على تمويل (كل قياداتها في الخارج تدفع لها الدول الخارجية كل تكاليف الإقامة بالإضافة الى عقد المؤتمرات والسفر والمشاركات الدولية)، كما أنها تستعين بخبراء أجانب يكتبون لها أدبياتها السياسية مثل دستور المحامين والاتفاق الإطاري، وخطاب جلب بعثة الامم المتحدة. هذه الميزة وان جعلتها تتحرك في الساحة بحماس، إلا أنها تظل خصما عليها على الدوام، تستنزفها أخلاقيا وسياسيا، بسبب تهمة العمالة.
4/ النقاط المتطرفة في رؤيتها هي تفكيك وإقصاء الإسلاميين، اقامة فترة انتقالية طويلة المدة بلا انتخابات، إعادة هيكلة كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والقضاء والخدمة المدنية، على أن تتحكم هي وحدها في تحديد وتنفيذ كل ذلك بغض النظر عن استحالة ذلك او كارثية نتائجه. ظلت قحت المركزي تقدم رؤيتها هذه بتطرف شديد و بتغيير مسميات تحالفاتها دون ان تقدم اي تغيير جوهري يساعد في فك الاختناق السياسي.
ثانيا الاسلاميون
يكابد الاسلاميون منذ سقوط حكومتهم الى مجرد الحصول على حقوق المواطنة العادية والقانونية دون تعدي عليها من أي جهة. وقدموا رؤيتهم في سبيل ذلك، ومن أجل فترة انتقالية مستقرة. تتمثل رؤيتهم في الاعتراف بالسقوط وبالثورة وبحكومة الثورة وبالاستعداد للتعامل الايجابي معها وبالموافقة على محاكمة كل فاسد ومجرم، بشرط وحيد هو عدم استهداف أفرادها، سوا كانوا قيادات أو عضوية. وفوق ذلك تقدموا بثلاث تعهدات هي انتهاج المعارضة السلمية و عدم حمل السلاح، والتعهد الثاني هو عدم المنافسة او السعي للمشاركة في الأجهزة التنفيذية خلال الفترة الإنتقالية والتعهد الأخير هو عدم التقدم للمشاركة في الحكم إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ولكن لاحقا وحينما تم استهداف الاسلاميين بواسطة لجنة التمكين وتحت حماية الحكومة الاتتقالية بشقيها المدني والعسكري، تحول الاسلاميون من المعارضة المساندة الى المعارضة الشرسة ولكن بأدوات سلمية، عبر الآلة الاعلامية والمخاطبات السياسية وتعرية أداء الحكومة الإنتقالية وتعرية بؤس الأداء السياسي لأحزابها، ومناهضة قرارات لجنة التمكين عبر المحاكم و مؤسسات القضاء العادية. وحينما اندلع تمرد الدعم السريع وجه الاسلاميون قواعدهم بالاستجابة للإستنفار والقتال جنبا الى جنب مع القوات المسلحة وتحت رايتها ومسؤليتها. كسب الاسلاميون من خلال رؤيتهم هذه على كل هذه الاصعدة. كسبوا كل قرارات المحكمة العليا التي برأتهم من جميع التهم. كسبوا ثقة شعبية كبيرة. ولكن ليس من المحدد او من المعروف الى الان كيف ستكون إعادة التفكيك من جديد، بالرغم من أن قانون التفكيك نفسه نص على أن تكون قرارات المحكمة العليا نهائية وقد أصدرت قراراتها النهائية. كما أنه ليس من المعروف أيضا كيف سيتم تجاوز معضلة اجراء الانتخابات التي ينادي بها الاسلاميون وتتحفظ عليها قحت المركزي.
ثالثا البرهان
في فترة حكومة الانقاذ كان البرهان محسوبا على الاسلاميين، وفي فترة حكومة قحت ظل البرهان حليفا لقحت. ومنذ اجراءات 25 اكتوبر 2022 ظل البرهان متذبذبا بينهما دون أن يكمل الشوط الى آخره مع أي منهما. بعد اندلاع التمرد ظل البرهان يؤدي واجبه الوظيفي المهني ولكنه يخشى أن يظهر وكأنه يتماهى مع الاسلاميين، أو سياسيا مع قحت. لم يريد أن يكون حكومة قوية سياسيا لتملأ الفراغ السياسي. وانما ترك هذا الفراغ السياسي عمدا لكي تتحرك قحت المركزي في فضاءه وحدها. هنالك أصوات تدعوا الى أن يكون الحل عن طريق الجيش عبر حكومة مدنية غير حزبية. تقدم أجندة وطنية محدودة وتمهد لإنتخابات حرة ونزيهة على قرار تجربة المشير سوار الذهب. سوا بموافقة البرهان وتحت قيادته او بتغيره اذا تلكأ كعادته في تشكيلها. ظل موقف البرهان ومنهجه غامضا ولكنه في نهاية المطاف يتمتع بمشروعية منصبيه كقائد عام للقوات المسلحة وكرئيس لمجلس السيادة. وماتزال الآمال منعقدة عليه عبر مشروعية منصبيه. لذلك يظل التغيير عبر الجيش هو الأقرب والأسهل والأكثر أمنا، اذا لم يقف البرهان عقبة أمامه.
رابعا القوى الوطنية صاحبة الطريق الثالث
تتفق هذه القوى على رفض إدعاء قحت المركزي باحتكار تمثيل المجتمع المدني ورفض اعادة تجربتها مرة أخرى، ورفض العمالة واحتكار الأجندة الوطنية للتدخل الدولي، ورفض إقصاء المؤتمر الوطني ورفض التعدي على الحقوق، وضرورة قيام انتخابات حرة ونزيهة وأن يشرف الجيش على الفترة الإنتقالية بواسطة حكومة مدنية غير حزبية وعلى العمل عبر مؤسسات الدولة وتقويتها لا تفكيكها. ومع ذلك فانها تنقسم الى قسمين، قسم أقرب للاسلاميين يمثله بروف التيجاني السيسي والناظر ترك والصادق محمد عثمان المرغني، وقسم آخر علماني يمثله بروف عبدالله ابراهيم ود. الوليد مادبو و د. محمد جلال هاشم ود. عشاري والصحفي محمد محمد خير والروائي عبدالعزيز بركة ساكن. القسم العلماني يتفق مع قحت المركزي في ضرورة تفكيك نظام الانقاذ واستبعاد الشريعة الاسلامية و اعادة هيكلة الجيش واستمرار الفترة الإنتقالية لمدة طويلة. دون أن يوضحوا كيفية الحصول على مشروعية التفويض السياسي والقانوني لمن يقوم بذلك وخلال فترة طويلة.
نقاط الخلاف التي تحتاج إلى اختراق
بعد توضيح موازين ومواقف القوى الوطنية والسياسية كما ورد أعلاه. هل يمكن أن يحدث اختراق حقيقي يخرج السودان من نفق العراك السياسي الذي قاد في نهاية المطاف الى الحرب/التمرد/الانقلاب؟ فلنحدد أولا النقاط الاساسية التي تتحكم في المشهد والتي تحتاج الى إختراق. وهي:
تحديد مهام حكومة الفترة الإنتقالية كيفية وزمن قيام الانتخابات، كيفية تجاوز معضلة التفكيك واعادة هيكلة واصلاح مؤسسات الدولة، كيفية تجاوز جميع الأجندة الحزبية التي أغرقت الفترة الإنتقالية في صراعات حزبية عبثية أدت الى قيام الحرب. كيفية تجاوز التدخل الدولي السافر.
مقترحات محددة
نستفيد من الرؤى المختلفة للقوى الفاعلة، لتقديم مقترحات وسط بينها، كحلول قابلة للتطبيق، عسى أن يكون فيها الاختراق الحقيقي الذي بشرنا به في عنوان المقال. والمقترحات هي:
1/ مشروعية الجيش في الإشراف على الفترة الإنتقالية وتكوين حكومة مدنية غير حزبية.
2/ استبعاد جميع الأحزاب عن كل ما يتعلق بالفترة الإنتقالية وتفرغها للإستعداد للإنتخابات.
3/ الرجوع للشعب كي يفوض من يفوضه حسب البرامج الانتخابي الذي سيفوز. ولا تفويض بلا انتخاب.
4/ تأجيل الأجندة ذات الطبيعة الخلافية مثل التفكيك، واعادة الهيكلة واصلاح المؤسسات، الى الحكومة المنتخبة صاحبة التفويض والمشروعية.
5/ تكوين حاصنة سياسية للحكومة الإنتقالية من القوى الوطنية الموصوفة في المقال بانها صاحبة الطريق الثالث، بشقيها الوطني والعلماني. تشرف على العمل السياسي والتشريعي خلال الفترة الانتقالية، بما فيها الاشراف على قيام الانتخابات (اقترح حزب البعث جناح السنهوري ان تقتصر مدة الفترة الإنتقالية على سنة تقام بعدها الانتخابات).
الية تنفيذ هذه المقترحات
الآلية الوحيدة صاحبة المشروعية هي الجيش، سوا مثله البرهان او تم تغييره (صرح د. الوليد مادبو أنه على استعداده للعمل مع ضابط مالي قاشو، ومن اول يوم ودون تردد). وأحقية الجيش في تعين اجسام وطنية مدنية تعينه حسب المقترح أعلاه.
كما أنه ليس مقبولا لا من قحت المركزي ولا من الاسلاميين المشاركة العلنية او من وراء الواجهات في أي الية تنفيذية خلال الفترة الإنتقالية أو حتى مجرد التأثير عليها، كما حدث في الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري او المحاولات الجارية الان في أديس أبابا او غيرها.
خاتمة
من العثير ايجاد حلول في ظل العناد الحزبي المتطرف والتدخل الدولي السافر. ومع ذلك حاولنا تفكيك مواقف القوى المؤثرة وتحديد نقاط القوة والضعف والاختلاف والاتفاق بينها. وحاولنا استلال المواقف الوسطية بين الاطراف لعل ذلك يساهم في أن تكون المقترحات فعلا قابلة للتطبيق وان تقدم اختراقا حقيقيا تحل التمترس في المواقف. ويتوقف تنفيذ هذه المقترحات على مدى جاهزية الالية المقترحة للإقدام على التنفيذ.

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)