الإمتحانات بين دمعتين
( هذي رؤاي)
عبد العزيز عبد الوهاب
يقولون : عند الإمتحان يُكرم المرء أو يُهان ، تبعا لما يفضي إليه ( يوم النتائج) المشهود ، والذي تترقبه الأسر باللهفة والأشواق الدفينة.
تنذرف دموع الفرح ابتهاجا بمن أكرمه الله بالتفوق، فيما تهطل دمعات ساخنات حزنا على فشل أحدهم دون أن يحقق المطلوب بالقفز خطوة للأمام .
تعود نشأة ( المدرسة ) إلى اليونانيين والصينيين ، وأول توصيف للمدرسة المتكاملة يرجع إلى “هوراس مان” الملقب بأب (حركة المدارس المشتركة) سنة 1837م
ولا يُعرف تاريخ محددا يوثق للإمتحان وتناثرت الحكايات حول مَنشأها ، حيث تقول رواية إن فكرتها تعود لرجل الأعمال وأستاذ الدراسات الدينية الأمريكي هنري ميشيل ، أواخر القرن التاسع عشر .
فيما يردها البعض إلى عائلة (سوي) الصينية في العام 605م ، التي اخترعت نظام ( الإمتحان الموحد) الذي سمي لاحقا بالإمتحان الإمبراطوري .
وقد تأسس أولاً لإختبار قدرات المتقدمين لشغل وظائف حكومية بعينها ، ليتم تعديله عام 1905م بواسطة أسرة ( تشينغ) ثم راجت الفكرة في دول الجوار الآسيوي و الغرب أيضا.
عربيا يقال إن ( ابن أصيبعة) هو أول من نظم إمتحانا شفويا لأطباء بغداد خلال حكم الخليفة المقتدر في القرن العاشر الميلادي .
لا يخفى الأثر النفسي الذي يتشكل لدى الطلاب ، قبل الإمتحانات وبعدها ، فما بين الرهبةو الإنهيار يكون عديد الطلاب خارج نسق التوازن المأمول ، مما ينعكس على جودة الأداء داخل القاعات التي تخضع للرقابة المشددة .
وتباعدا عن الأجواء المشحونة بالقلق والدموع ، فإن فنلندا سارعت لإلغاء الإمتحانات، واستبدلته بإختبارات يضعها المدرس نفسه بلا تدخل من أي جهة، وتوسعت في تمديد ( جسور الثقة بين الطالب والمعلم) كبديل لإرهاق الإمتحانات ، وفرضت إمتحانا واحدا فقط ، يعقد للتلاميذ المرشحين للجامعات .
بيد أن أشهر الإمتحانات يسرا وعسرا في الوقت ذاته ، هو إمتحان البشر بسبعة أسئلة ، النجاح فيها هديته ( سلعة الله الغالية ) ثلاثة منها ( فترة أولى) حين يسأله الملكان وهو في القبر :
من ربك ؟ وما دينك ؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم ؟ .
وأربعة ( فترة تانية ) حين تقوم الساعة لقوله ( ص) : لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتى يسأل عن أربع:
عن عمره ؟وعن شبابه ؟ وعن علمه؟ وعن ماله ؟
وفي هذا وماعداه فلا مجال للشف والبخرات أو الاستراق لأن : من غشنا فليس منا
وما بين الذهن الراكز والوجدان المبعثر، كانت للسماحة حظوظها في الامتحان أو هكذا يتمنى البعض،حيث بذل الحلمنتيشي الدكتور عمر محمود خالد المطارق واستمطر الحشايا و المقل ،مقدما دفوعات صميمة لربة الحسن زميلته و( موديل السنة ) سيدة كرار التي شغلتها مناوشات (شفٌاتة) الدفعة والتغني بمباهجها ، ما باعد بينها وبين الإكتراث في الإمتحان فصدر قرار العميد بتحويلها من الطب إلى العلوم فكتب أيقونة حلمنتيش:
يا سيدة لا
فايتانا وين مستعجلة
شرط إمتحان ما انتي كملت الحلا
لازم علوم ما بالسماحة مؤهلة
غلطات كتيرة الكمبيوتر بعملا
إمكن نسا و إمكن سها وجاط النمر بأكملا
ما قالو بعرف كل شي
ليه ما عرف كل الحلا
لو كان عرف كل النمر
كان بدلا
لو كان عرف
كان النتائج بدلا
و عشان عيونك يا قمر كان ختا اسمك أولا
فايتانا وين مستعجلة
مالو العميد مالو العنيد
مالو لو رفد المصحح و المعيد
و خلا ست الناس تعيد
و شال من نمرنا و كملا
فايتانا وين مستعجلة
الجامعة بعدك كوم رماد
لا تنفع اداب لا اقتصاد
لا فيها طب لا صيدلة
لكن شعرك ما بفيد يا عمر ، فقد كان ( البورد) من الأماكن الطاهرة التي لها من الشرف بحيث لا يتم العبث بالنتائج أو تعديلها بعد نشرها ، على عكس ما شاع فعله في ( الزمن الفلاني)
وكان الطلاب يتمنون بقاء البنات الحلوات في الجامعة ولو بإعادة التموضع والإرتكاز ، فقد كانت الواحدة منهن تكافح في مواجهة ما يشبه ( التسونامي ) من ذوات الحظ الأدنى من الحسن الآمر القاهر ، المنتشر في القاعات و(المين روود) .
لكن من أصفى ماسمعته عن النتائج، مادار بين تلميذ ووالده ، وكان نشيد الطالب السنوي الأثير : تسقط تسقط ..
تسقط بس
الأب : آها جيت الكم المرة دي يالعشا ؟
الولد : الستين يابوي
الأب : وفصلكم فيه كم ؟
الولد : خمسين طالب يابا !!؟
الوالد : هلا هلا ..يعني قفٌلت فصلك ودخلت في التاني بي عشرة شفع .
ومن مفارقات الزمان ، أن مليونيرا صينيا تعثر مرارا
حتى أنه جلس نحو 27 مرة لإمتحان الدخول للجامعة ، حتى شككتُ إن كان الرجل (صيني أصلي) أمو بت عم أبو ؟ ، بينما تمثلت عثرة الحكواتي الظريف عبد الله ود البوش ، ليس في الإمتحان وإنما في رسومه البالغة( 5 جنيه) وذلك في نهاية السبعينيات ، تاريخ إمتحان النقل من الثانوي العام إلى العالي في مدرسة الهجرة بقرية الهدى غرب الحصاحيصا .
قطع صديقنا 20 كلم مشيا من المدرسة إلى منزله بالعتامنة لإحضار المبلغ؟ .
وتزود في مشواره بشوية بلح وبسكويت و نص عيشة محشوة طحنية ، وخلال نهار قائظ ، إبتدر ود البوش سلسلة من الخيارات لتنسيه عسر المسير كان أولها حساب الخطوات بين المدرسة والبيت فزهج منها وخلاها ، ثم جاءته نزعة دينية فكرر سبحان الله والحمد لله ، لكن الشيطان قاومها ، ليتغنى بأغنية يوسف خاله:
بالليل دا ماشي وين ياالكنار
ثم فكاها ليتبعها بأغنية :
قمنا سيرة لي كدباس
ياناس اتعبوني خلاس
وصل صاحبنا البيت .وبعد أن تأكد أهله من أن الحلة كلها مالقو فيها خمسة جنيه دين الله والرسول ، ساد صمت طويل، فقال الوالد :
اسع ديل نجيبن من وين في الصيفية دي لا صرف ولا حرف ولا اخدي ولا تعالي وعنزنا حقت الشاي بعناها ليك للبس المدرسة اسع علا الجدادة ام حلقا مُر ولاٌ الحمارة الزرقا الفوقا عيشتنا ونقل مويتنا اها كيفن الدبارة يا ولدي .
لكن طرأت للفتى فكرة أن يكتب خطابا مدنكلا لباش مفتش مكتب 91 سرحان لطلب سلفة بالرسوم يردها الوالد بعد بيع المحصول ، وقال في نفسه : يا حروف الضاد وقعت معاي ، الليلة بطلع ميتينك .
وبالفعل فقد تحقق المأمول وعاد الوالد والولد من رحلة سرحان
بمبلغ 25 جنيه سبقتها دموع ساخنة غمرت وجه المفتش بعد قراءة الخطاب المتلتل ، فمضى الوالد يحمد الله والولد يغني :
الليلة وين ياعيني
أنا الفرحة علي …
وقال المفتش يا عبد الله هاك ( 5 جنيه لرسوم الإمتحان ، و10 هدية النجاح مقدما ، و10 اشتري بيها هدوم الثانوي العالي) والخمسة وعشرين كلها هدية مني ليك عشان خطابك السمح دا .
لم يمض وقت طويل حتى سمعت الحلة زغاريد الأهل بعد إذاعة الإسم في الرادي :
عبد الله ود البوش .. حنتوب الثانوية
اييييوووا ايييوووا
ودمتم
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط