الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

حسن فضل المولى يكتب : جمال الوالي … النُّضَار …

إنَّ من أشق و أرهق الأفعال إلى النفس
أن تتوخى ( الاعتدال ) و أنت تتحدث
عن إنسان تُحِبه أو آخر تبغضه ، فإنك
في الحالتين ترجو ( الله ) أن يعصمك
من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تُقبل على
من تُحِب ، و يعصِمُك من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تَنْأى عمَّن تبغض ..
و أنت تُقْبِلُ على من تُحب ، فإن ( الاعتدال ) لا يعني غمط الحق ،
لكنه إظهار الحق بحق و حقيقة
و استحقاق ..
و هذا ما أجدني أكثر حرصاً عليه و أنا أكتب هذا المقال بعنوان ..
( جمال الوالي … النُّضَار … ) ..
و النُّضَار هو الخالص من كل شائبةٍ
و زِيف ..
ذَهَبٌ نُضَارٌ ، و وجه نُضار ، و نفسٌ نُضار ، و ( جَمالٌ ) نُضار ..
و ( جمالٌ ) نُضارٌ يعني ( الحُسنَ )
الخالص ..
لكني أعني به هنا ، ( جمال بن محمد بن عبدالله الوالي ) الخالص ..
الخالص من كل شَيْنٍ و دَرَنٍ و وهَن ،
إلا ما يعتري ابن آدم من نقائصَ فُطِرَ عليها ، ذلك أن الكمال لله وحده ،
و المعصوم رسولنا الكريم وحده ..
و هكذا هوَ عندي ..
و هكذا هو عند من عرفه و خالطه ..
و عندما غُيِّب يوماً قَسْراً ، قلت إن
( جمال )حين توارى في تلك الغَيَابَة ، تبين للقاصي و الداني ، كم أن الرجل محبوبٌ و مُقِيمٌ في القلوب ..
إنني منذ أن عرفته فهو ( جمال ) النبيل ..
رفيق ، و رقيق ، و شفيق ، و أنيق ،
و ذو وجهٍ طليق ..
يجتهد في إنفاق ما يأتيه من مال ٍ،
حتى تكاد تشفق عليه و تقول لسائله :
إتق الله فيه ..
و تجده يسبقك إلى المسرات ،
و هو في الصدارة عند كل نازلة ..
حتى وهو بعيد ، يسبقك بالسؤال ،
و الإتصال ، و تفقُّد الأحوال ، و بذل
النوال ..
يعني في كل شأن هو ..
أمام ٌ، و إمامٌ ، و مِقدام ، و قِدااام ..

نعم ..
إني لأشهد أنه كان دائم الإنفاق ، سِراً
و علانية ..
إذا أقبل ، و طبعُه الإقبال ، فإنه
كالسحابة الوطفاء المِدرارة ، يُعطي
عطاء من تظن أنه قد آثرك بما لم
يؤثرك به أحدٌ من قبل ..
و كان لا يأتي هذا الصنيع عن حال
من يجلس على خزائن من ( ذهبٍ )
و ( دولار ) ، كما يظن الكثيرون ..
و لكنه ..
و كما أعلم عنه ، فقد كان كثيراً ما يُمسي وهو خالي الوفاض ، إلا من
يقينٍ راسخٍ بأن المال غادٍ و رائح ٌ،
و يبقى من المال الأجرُ و الأحاديثُ
و الذكر ..
كان دائماً يقول لي : ( أنا ما بقدر
أقول لي زول ما عندي و أنا عندي ) ..
و أذكر أنه في لقاءٍ ( ببيت الضيافة ) ،
ضم الرئيس الأسبق ( عمر البشير ) ،
و جَمعٌ من المغتربين ، قال لهم
( البشير ) عندما أشار أحدهم ( لجمال ) :
( يا جماعه جمال ده ماغَنِي ، لكنه
سخي ) ..
وفعلاً ..
تجده ( مَعْبَراً ) للمال و ليس (خازِناً ) ..
فمايأخذه من هناك ينفقه هنا ..
و ما يأخذه من ذاك يمنحه هذا ..
و إن لم يكن يملك ، فإنه يستدين
من أولئك لينفق على هؤلاء ..
و تجده في ذلك وَرِعاً عفيفاً ، لايأخذ
إلا بحق لينفق في حق ..
و لعله طيلة الفترة التي قضاها رئيساً لمجلس إدارة ( بنك الثروة الحيوانية ) ، فقد دخله نظيفاً و خرج منه أنظف ، لم يتقاضى أتعاباً عن ذلك التكليف ، و لم يقترض من البنك مليماً و احداً ، و من حقه ذلك ، كما يفعل معظم رؤساء مجالس إدارات البنوك ، و من ساوره شكٌ في قولي فليذهب إلى البنك
و ليسأل كما فعل البعض من قبل ، وهم يسارعون سؤالاً و نبشاً علَّهم يجدون مَذَمَةً يطيرون بها في الآفاق ..
و على هذا فقِس ، إذ أنه في كل
تعاملاته المالية يَتَحَرَّى الحلال ،
و يَتَقي الشُّبُهات ..

كان يحرص في كل موسم حج على
استئجار طائرة يحمل على متنها
فوجاً من الحجيج ، تجد بينهم ،
القريب إليه و البعيد منه ، الميسور
و الفقير ، ومن لم يكن يتوقع أن
يناديه المُنادي بهذه السرعه و هذا
اليسر ..
و تجده يسهر على راحتهم و ينشط
في خدمتهم و يحمل هم كل واحدٍ
منهم ..
و كنت مرة واحداً من هؤلاء ..
وترافقنا ونحن نؤدي مناسك هذه
الشعيرة ، وفي طريق عودتنا من
( عرفات ) راجِلين إلى ( مُزدلِفة ) ،
ثمَّ إلى ( مِنى ) ، و عند رمي ( الجمرات ) ، و ( الطواف ) ، كنت
أجده دائماً أمامي مُنطَلِقاً لا يلوى
على شيء ، و لم تفلح معه كل
محاولاتي في مُحاذاته ، مما جعلني
أُحَدِّث نفسي بأن ( جمالاً ) يشُق
عليك أن تسبقه في كل حالٍ و مآل
و مجال ، إذ أنه سابق في الخيرات ،
و بالخيرات نحو الخيرات ..
و كنت أُغْبِطُه ..
و الغِبطَة نقيض الحسد ..
الحسد أن تتمنى زوال النعمة من غيرك ..
و الغبطة أن تتمنى أن يكون لك مثل
ما لأخيك ، ولا يزول عنه خيره بل يزيد ..

ما أصاب الداء حبيباً لديه ، أو وقف
ببابه ذو عِلَةٍ ، أو تناهى إليه خبرُ مريضٍ
إلا و أسرع إليه ، و كان الطبيب المؤازرا ، قبل الطبيب المُدَاويَّا ..
و إبان فترة عملي ( في مصر ) ، و لفترة
تقارب الأربعة أعوام ، كان لا يمر بي وقت إلا و يزفُّ لي مريضاً أو أكثر ،
و كان يتابع مسيرة علاجهم صباحاً
و عَشِية ، فأتعب أنا و لا يتعب هو ،
و يناقشني بدرايةٍ في طبيعة العِلة
و ما يُناسبها من علاج و دواء ، و لعل
ذلك يعود إلى كثرة متابعته لمثل هذه
الحالات ، أو مما يتعلمه من حرمه
الطبيب الإختصاصي دكتوره ( نعمه
إبراهيم حسن النعيم ) ، و هي شقيقة
الدكتوره ( كوثر إبراهيم ) حرم الأرباب
( صلاح أحمد إدريس ) ..
و لقد شهدته عياناً ، و نحن في ( دبي ) عندما باغت الداء صديقنا ( عبدالعزيز برجاس ) ، فأسرع بنقله إلى مستشفى (سليمان الحبيب ) ، و رابعنا الوجيه ( أحمد القاسم ) ، سادِن ( الذهب )
و ( النفائس ) ، و رأيت ( جمال ) يلاحق الأطباء بالسؤال إشفاقاً ، حتى أنني كنت أشفق عليهما ، و عندما قرر الطبيب تنويمه ، و لأن في ذلك مخاطرة ، فقد كان يرجو الطبيب أن يتريث ريثما يفعل و يفعل ، إلا أن الطبيب لجأ إليَّ فأذنت له ، و بعدها غاب ( برجاس ) عن الدنيا ( ثلاثين يوماً ) حُسوما ، حتى ظننا أنه لن يعود إلى الحياة الدنيا بعد هذا الغياب الطويل ، و ظل ( جمال ) مُلازماً له ، ملازمة الود و العُشرة و المحبة التي انعقدت بينهما ..
و في يومٍ زارنا أحد شباب ( المريخ ) وهو يعمل و يسكن في ( الشارقه ) ،
و في المساء بلغ ( جمال ) أنه قد
أُدخل ( مستشفى الشارقه ) ، لإجراء
جراحه عاجله في القلب ، وهو مستشفى فخيم لا ينقصه شيئاً ، فما كان منه إلا أن وجه بنقله في تلك الليله ، إلى ( مستشفى سليمان الحبيب
الخاص ) في ( دبي ) ، حيث يرقد
( برجاس ) ، و أرسل إسعافاً ، رافقه أخي ( صديق كوباني ) ، و جاء به ،
على مقرُبةٍ من الفجر ، و أجريت له العمليه على أعجل ما يكون ..
و هو دائماً في مثل هذه الحالات
يجتهد و يتفانى في فعل و تقديم
الأفضل و الأجدى و الأنفع ، مهما
كلفه ذلك ..
و ليس ذلك و قفاً على العلاج ، فقد
شهدته و خبرته ..
فهو يجود عليك بالأحب إلى نفسه ،
و يمنحك مما يحب أن يقتني لنفسه ،
و يُحب لك ما يحبه لنفسه و أكثر ..
لا يَسْتَكثِرُ مالاً
و لا يدَخِر وسعاً
و لا وقتاً
و لا يحجِب وُداً و مَعَزَةً ..
و أنا واحدٌ من أولئك الذين غمرتهم
هذه النفحات ، و هذه اللطائف ..

ورد عن الشيخ ( محي الدين بن عربي )
أنه قال : ( لن تبلغ من الدين شيئاً حتى
توَقِّرَ جميع الخلائق ) ..
و لقد رأيت من ( جمال ) توقيراً للناس
لا يقدر عليه إلا أولو العزم ، ممن فاضت قلوبهم بالمحبة و الرضى
و اليقين ..
و هي محبة ، و رضى ، يتدفقان من
قلبه فيغمران مَنْ حوله ..
و لقد رأيت ذلك رأي العين ..
إذ أنه لم يكن يضيق بأحدٍ
و لم يكن يرُدُّ أحداً ..
على كثرة من يُلاقي
و على كثرة ما يطلُبُهُ مَنْ يُلاقي
و على كثرة ما يُلاقي مِمَّن يُلاقي ..
كنت أنا أجد في كل وقت أمام داره جمعاًمن أصحاب المآرب و الحاجات
يتزاحمون بالمناكب ، حتى أن أحدهم كان يظُن أو يُرَوِّج لأن هذا ( مستشفى )
و ليس مسكناً ، فقلت له : ( لماذا تدعهم يتجمهرون أمام المنزل
و فيهم و فيهم ، و قد ينالك منهم ما لايسر ) ، فقال لي : ( خليهم ، مافي حاجه بتحصل ) ، و هو يعرف جيداً
أن بينهم و بينهم وبينهم ..
و ذات مرة طلب منه أحدُهم أن
يَكُف عطاءه عن ( فلان ) ، فهو علاوةً
على أنه ميسور الحال ، فهو أيضاً ممن
يسيئون التصرف ، فكان رده أنه يعلم
ذلك ، و تمادى في وصله له و جزيل صِلاته ..
و مرة حكى لي ضاحكاً أن أحد أقربائه قال له : ( إنت كده بتْكَمِل قروشك ، طيب مادام مُصِر ماتدي طوااالي ، مَطْوِح الواحد شويه ، تعالي بكره ، أنا مسافر ، أو أي عذر ، عشان الواحد ما ياخد بالساااهل كده ) ..
و ضحِكنا ..
و بالطبع لم يفعل ذلك
لأنه لم يكن بطبعه كذلك ..
و أنا أعلم جيداً أنه يُعطي أناساً هم
أفضل حالاً منه و أغنى ..
و يعطي كثيراً و غزيراً و بلا انقطاع ،
حتى أنني مرة قلت له ، بدلاً من أن
تهَب و احداً كل هذا فاجعله لإثنين
أو ثلاثة ، فما استجاب و أعارني أُذُناً صماء ..
لم يكن يطيع أحداً أبداً ..
في منْ يُعطي
و كم يُعطي
و كيف يُعطي
و أين يُعطي ..

و ما رأيت أحداً مُبَرَءاً من شُحِ النفسِ مثل ( جمال ) ..
و هوَ عندما يُسأل لا يقول ( لا )
و في الدنيِّةِ لا تسمع منه غير ( لا ) ..
ذلك أنه قد جُبِل على أن يرى القبيح
قبيحاً و الجميل جميلاً ..
و أنا أخالط الناس كثيراً ، فما أن تأتي
سيرة ( جمال ) ، حتى تجد من يقول ..
عالجني أو عالج ( فُلان ) ..
أقال عثرتي أو عثرة ( فُلان )
برَني أو برَ ( فُلان ) ..
شاركنا في كذا ..
و جاءنا في كذا ..
و اتصل بنا في كذا ..
نعم ..
و أذكر هنا ، و أنا بمعيته بفندق ( قراند
حياة دبي ) ، حيث إنضم إلينا الطبيب
البارع ( حاتم أبوشورة ) و صادف أن كان ( بدبي ) شقيقه الودود ( حيدر أبوشورة ) ، و الذي دعانا لتناول العشاء على ضيافته بالفندق ذاته ، و قبل أن يحين الموعد ، أخبرني ( حيدر ) أن صديقه ( فُلان ) سيأتي بمعيته ، و هو رجل أعمال شاب يقيم ( بدبي ) و قال لي : ( عارف ياحسن صديقي ده لما عرف أني عازمكم و معاكم ( جمال ) ، أصرَّ أنو يجي معاي ، و أخبرني أن والده قد جمعه مرة هوَ و إخوانه ، و هم من أسرة ( أم درمانية عريقه ) ، و قال لهم
في أي مكان تلاقوا ( جمال الوالي ) ده ،
تكرموه غاية الإكرام ، فقد أكرمني
يوماً ) ..
و كثيرون رأيته ينفَحُهُم و يتلطف بهم ..
و كثيرون أسَّروا لي بما قدمه لهم ،
و تلك المآذق التي أخرجهم منها ،
حتى أني كثيراً ما أتساءل : كيف أُتيح لهذا الرجل فعل كل هذا ، لكل هؤلاء ،
بكل تلك الشهامة و المروءة الشماء ..
و لكن ..
( على قدر أهل العزم تأتي العزائم
و على قدر الكرام تأتي المكارم ) ..

لا ينقاد أو يمضي و هو مغمض العينين ..
أبداً ، أبداً ..
له موقف ، و له رأي ، و له رؤية ..
إذا حاججته فإنه يحاجَّك الحُجة بالحجة ، و يصادم إذا اقتضى الأمر
مصادمة و منازلةً و مُناجزةً ..
و لكنه في كل الأحوال ، يفعل ذلك
إحقاقا للحق ، الذي يرى أنه بالإتباع أنفع و أجدر و أحق ، و ليس إنتصاراً للنفس أو ميلاً مع الهوى الأخرق ..
و أنا هنا أتحدث بما شهدت و رأيت ..
لقد أمسك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بيد رجل في المسجد ، وقال للحاضرين: ( من منكم يشهد لهذا الرجل ؟ ) «أي يضمنه» ، فقام رجل وقال : ( أشهد بأنه رجل صالح ) ، ثم جلس ، فأوقفه عمر وقال له: ( هل أنت جاره الأقرب؟ ) فقال: ( لا ) ، فسأله عمر : ( هل رافقته في سفر؟ ) ، فقال : ( لا ) ، فسأله عمر : ( هل عاملته بالدرهم والدينار؟ ) ، فقال: ( لا )، فإذا بأمير المؤمنين يقول له: ( اجلس أيها الرجل الطيب فإنك لا تعرفه ) .. ثم قال عمر للرجل بعد ما رد شهادته: ( لعلك رأيته يتمتم بقراءة القرآن في المسجد ، فغرتك هذه التلاوة ، فظننت أنه رجل صالح! ) ..
لقد عملنا معاً في مكان واحد ..
و ضربنا في الأرض معاً ، شمالاً و جنوباً
و شرقاً ..
و ترافقنا بالساعات ، و نحن نرتاد مراتع الأفراح ، و نغشى مضارب الأتراح ..
فوقفت على طرفٍ مما رويت ..
و وقفت على تلك المحبه التى كان يبذلها له مَنْ هم أمامه و وراءه ، و عن
اليمين و عن الشمال ..
و حتى عندما اقتحم مجالاً لا يُجْمِعُ
أهلُهُ على أحد ، و لهم رأي في كل من
يتقدمهم ، فقد كان الأمر جدّ مختلف بالنسبة ( لجمال ) ، و هو يتسنم رئاسة ( نادي المريخ ) ، و أنت تستمع إلى كثيرين ، و ليس كل ، و هم يتغنون ..
( لن نُوالي غير الوالي ) ..
( جمال الوالي رئيس طوالي ) ..
و في منحىً آخرٍ طريف ..
لقد ذهبت برفقته يوماً لتقديم واجب العزاء في شقيقة ( أبراهومة الصغير ) ، بحي ( ود أورو ) ، و صادفنا ( الهادي نصرالدين ) و هو أحد أشهر ظُرفاء
( أم درمان ) في مكان العزاء ، و كان يحمل ( لجمال ) محبة خاصة ، كنت شاهداً على كثير من مظاهرها ، وترافقنا معه ، لزيارة أحد الإخوة جوار ( مسجد الإمام عبدالرحمن ) ، في طريقنا إلى ( الثورة ) ، و قد دعانا بإلحاح للغداء فاعتذرنا ، فقال : ( طيب أقعد إنت يا الهادي ) ، فأجابه : ( يازول إنت ما نصيح ، غَدَا شنو البقعد أحْرِسو ، وأخَلِي ليهو جمال الوالي ) !!
محبة لا تُشْترى ..
و لا تُستلَف ..
و لا تُدَّعى ..
و لا تُصطَنع ..
و لا تأتي مصادفة ..
و لا يظُننَّ أحدٌ أنها محبة مردها إلى
إنفاق المال و حده ..
لا ، و كلا ..
إن مَرَدَّها إلى البذل بحب ..
و مباشرة الناس بحب ..
فيكافِئك الناس حباً بحب ..
و يَرُدون لك الحبَ أضعافاً مضاعفةً
من الحب ..
فتجد نفسك سابحاً في بُحيرةٍ من الحب ..
و تجد الحبَ يملأ قلبَك فتستحيل
بحيرةً عذبةً تعيش كلُ سوابِحِها في
حُبٍ و حُبٍ و حُب ..

و كما أن ( جمال ) محل حفاوة الآخرين
و ثنائهم ، فهو لا يفتأ يثني بكل ما أوتي من مشاعر نابضة بالوفاء ، يثني بكل الامتنان ، و بكل الغبطة ، و بكل عبارات المحبة على كل من أهدى إليه جميلاً ، و يُعظِّمهُ و يحدِّث به و يزهو ..
و أنا كثيراً ما حدَثني ، عن ذلك الذي
بسط له من المودة ما يُثلِجُ الصدرَ ،
و ذلك الذي آزره ، و ذلك الذي أعطاه
مما يحب و يضنُّ به الآخرون ..
و كما أن هناك أُناسٌ تصادفهم في
الحياة يَسْتَصْغِرون العظيمَ الذي
الذي يُساق إليهم ، فإن جمال يعْظُم
في عينيه الصغير الذي الذي تقدمه له
على استحياء ، بل و يفرح به و يُذِيعُه
و يُباهي ، و لسان حاله يقول ..
إن قليلَكَ لا يُقال له قليلٌ ..
و لكنه كثيرٌ كثير ..

و عَهِدتُ ( جمالاً ) مُقْبِلاً على أطايب الحياة و رونقها ..
يُقبل على الأجمل ..
و يختار لنفسه الأجمل ..
و يَهَبُ الأنضر و الأجمل ..
و يدعوك إلى حيث الأجمل ..
و معه تعرف من الأصحاب الأجمل ..
و يتوخى فيما يفعل و يقول الأجمل ..
و يطربه ( كمال ترباس ) ، بغنائه
و تطريبه الأجمل ..
( ما تهتموا للأيام
و ما تهتموا أصلو الناس حياتا ظروف
تتحكم تغير كل خط مألوف
و ما تهتموا للأيام
مصير الزول حياتو ياما فيها يشوف
و في دنيانا بنلاقي الفرح و الخوف
و ما تهتموا للأيام ) ..
و التِماس الجمال ..
و إشاعة المحبة من صميم خٌلق المتصوفة ..
و ( جمالٌ ) مطبوع على وَلَهٍ بالمتصوفة
و منجذب إليهم ..
كان قريباً من الشيخ ( عبدالرحيم البرعي ) ..
و كان قريباً من الشيخ الدكتور ( الجيلي عبدالمحمود الحفيان ) ..
و كان قريباً من كثير من أئمة التصوف
و شيوخه و أوتاده ..
فتعَلَم منهم و ارتوي من حياضهم..
و المتصوفة يَقبَلون الناس بعِلاتِهم
و يُقبِلون على الناس على عِلاتهِم ..
و لا يضيقون أو يتأففون من عِلاتِهم ..
و يُحَبِبُون إليهم ( الطريق )
و يُجَمِّلونه لهم
و يُذَكِرونهم أنَّ ..
( الأرض أرض الله
و المَقَامُ واسعٌ
و رب الدار كريم ) ..
و ليس هناك أبلغ مما ذهب إليه
شيخُنا ( محيي الدين بن عربي ) ..
( و أنا يا أهل الخير عَبدٌ مَحْضٌ لله ،
لا أطلب التفوق على عباده ، بل إني
أتمنى أن يكون العالم كله على قدم
واحده في أعلى المراتب ، فلا ضيق
في مراتبِ المعْرِفة و الكمال ) ..
و كذلك فقد ثبت لي ..
لا ضيق في نيل المعالي ..
و لاضيق في اكتساب الخيرات ..
و لا ضيق في تفريج الكُرُبات ..
و لا ضيق في السعي بين الناس بالمودة
و المسرات ..
و العاقبة للصادقين المتقين السابقين
بالقُرُبات ..

و ( جمال ) من قبل و من بعد..
تجده باراً بأهله و موصولاً بقرابته ،
و هو ينتمي إلى دوحةٍ أنى ذهبت تجد
لها فرعاً داني القطوف ، فمن ( الزيداب ) بنهر النيل ، إلى ( آل الأزرق ) بالقضارف ، و الذين هم أهل علمٍ و دين و كرم و نجدة ، و انتهاءً بالجزيرة ، هناك و هناك ، و هنا في
( فداسي ) ، حيث مسقط رأسه ،
و مقام ( أمِّهِ ) و ( أبيه ) و ( فصِيلتهِ
التي تؤوِيِهِ ) ..
و أبوه الشيخ ( محمد عبدالله الوالي ) ،
كان من قيادات المزارعين ، و قيادات
الإتحاديين ، و منارات الوجَهَاء ، و نال عضوية الجمعية التاسيسية ، و هو عالِمٌ و شاعرٌ تَنْسِبُه إلى فحول الشعراء ، و دونكم هذه الأبيات من قصيدته التي نظمها ناعياً فيها إبنه الغريق ( الصادق ) ..
( أملٌ تبَدَّدَ فاستحال سرابا
و منىً كَذَبْنَّ و كُنَّ قبل عِذابا )
و يمضي ..
( يا نيل قالوا إن ماءك نعمةٌ
يَهَبُ الحياة سعادةً و شبابا
يغشى اليباب فيستحيل مواتُه
روضاً يرف أزاهراً و خِلابا
ما بال مائك عَمَّ روضَ سعادتي
فأحاله بعد الحياة يَبَابا
يا نيل هل أدركت من غَيَّبْتَهُ
و منعته الأنفاسَ و الأسبابا
يا نيل هل أدركت موقع ”صادق”
مِنا و كيف زَكَا صِباهُ و طابا
يا نيل لو أدركت سرَ نُبُوغِه
و ذكاءه المُتوَقِّد الوثابا
ما كنت تجرؤ نِيِلُ أن تغتاله
و تسير فوق رُفَاتِه مُنسابا
و تخلِّف الآلام تَعْمُر رَبْعَنا
و الحزن ينشر فوقه أثوابا
لولا قليلٌ من تُقىً حصَنْتُهُ
بحِمىً من الإيمان عزَّ جَنَابَا
قد هبَّ يُلْهِمُني التصَبُّرَ و الرضا
بقضاء ربي صابراً أوَّابا
لهَلَكتُ حُزناً عند فقدي(صادقٍ )
أو عشت عُمري لا أحِيرُ جَوابا ) ..

و ( جمال ) تجده كثير الفخر ( بفداسي ) ، و ( الفدَّاسه ) ..
و حقّ له أن يفخر و يزهو ..
ففي هذه البلدة المعمورة التي تتوسط ( الحصاحيصا ) و ( مدني ) ، تجد
من الأخيار و العلماء ما يُدهِشُك ..
تجد فيها أساطين الطب ، و الهندسة ،
و الفقه ، و الزراعة ، و الإعلام ، و علوم الفيزياء و الكيمياء و الطيران
و الحيوان ، و فُصوص الحكمة ، و كل لغات الفرنجة و ألسنتهم ..
و نحن نشاطره العزاء في رحيل والدته ،
طَفِقتُ أُحدِّث من كان إلى جانبي عن
عظمة هذه البلدة و أهلها ، فأشرت
إلى جماعة من الناس كانوا على مقربة
منا ، يجلسون في وقار و تواضع
و تأدُّب ، و يرتدون أبسط الثياب ،
و يَحْتذون أبسط الأنْعُل ، و منهم من يرشف كوباً من الشاي ، و آخر يصلح عمامته ، و من هو حافي القدمين ، حتى تحسبهم لم يغادروا ( فداسي ) يوماً ، و ما عرِفوا ( الخرطومَ )
و ( أمدرمانا) ..
قلت له أُنْظُر ..
هؤلاء كُلُهم من هُنا ..
و هؤلاء جُلهم نوابغ و فطاحِلة
و جهابِذة ..
و كلهم مهوى أفئدتِهم مُرْضِعَتِهم الرؤوم ( فداسي ) ..
هذا بروف ( فلان ) ، و هذا بروف ( فلان ) ، و هذا اللواء ( فلان ) ، و هذا بروف ( حسن الزين ) الخبير الإعلامي ، و قد درسني في الجامعة ، و هذا البروف ( مبارك المجذوب ) المتخصص في أمراض الدم ووزير التعليم العالي ، و هذا البروف الفريق شرطة ( صلاح المجذوب ) اختصاصي المخ و الأعصاب و المحاضر ( بجامعة الرباط ) و هذا المهندس البروف ( الشيخ المجذوب ) و هو زوج شقيقة ( جمال ) و هذا الباشمهندس ( آدم عبدالله ) كان نائباً لمحافظ ( مشروع الجزيرة ) و هو زوج شقيقة ( جمال ) ، و هذا البروف ( بابكر الدرديري ) أستاذ اللغه العربية و قد درسني ، و هذا الشيخ الدكتور ( العاقب حاج إدريس ) أستاذ الإعلام ، و هو من تعرفت عليه إبان فترة عملي معيداً ( بقسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ) ، و ذاك البروف ( نصرالدين محمد عبدالله الوالي ) مدير مستشفى الذرة ( مدني ) ، و هو شقيق ( جمال ) ،
و هناك المهندس ( عبدالمحمود سليمان ) مدير سودانير ، و إلى جواره
المهندس ( عمر يوسف ) مدير الإدارة
الهندسية لمشروع الجزيرة ، و هو زوج شقيقة ( جمال )، و هذا البروفيسورات ( محي الدين المجذوب ) عميد عمداء كليات الطب ، و قد رُوِيَّ لي أن دكتور ( الأمين محمد عثمان ) طلب منه مرة ( cv ) لتقديمه لمنظمة عالمية فنفد ما بالفاكس من ورق قبل أن تَنْفَدَ سِيرَتُهُ ، و لعل ذاك هو المهندس ( عبدالله خوجلي ) عميد كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ، و أيضاً المهندس البارع ( أحمد خوجلي ) ، و الذي سلَّم علَّي قبل قليل هو زميل دراستي في الجامعة العالِم الشاعر ( المغيرة ) بن العالِم الورع الفقيه الشيخ ( محمد رملي ) ،
و الذي يجلس هناك هو ( محمد أحمد الجاك ) من أثرى الأثرياء في السودان ، و هو خال ( جمال ) ، و الذي أمامه
( سيف الوالي ) النافذ في الطيران المدني و هو شقيق ( جمال ) ..
و هنا أكثر من عشرين من العُلماء الأفذاذ ، الذين نالوا الدرجات العليا
من أرفع الجامعات الأمريكية
و البريطانية و الفرنسية ، و لعلك
لا تلمس فيهم غُروراً و لا عُلُوَّاً و لا استكبارا ، ولا يتَشَدَّقون و لا يُقَهْقِهون
و لا يَتَفَيْهَقُون ، و لا تصُدُر عنهم ( Yes)
أو ( No ) إدعاءً و تنَطُّعاً ..
و إذا انتفضوا و خرجوا سِراعاً و تِباعاً ، فتأكد أن وُجهَتهم ( المسجد ) ، أو
عائدين إلى أكنانِهم و أشغالِهِم ..

في هذه المنابت الطيبة نشأ ( جمال ) ، فأخذ من طَيِّبِها و طِيبَتِها و طِيْبِها
و أطايِبها و طُيُوبِها ، و كل مشتقات ( طاب يطيب ) ..
و المَنْبَتُ الحسن يورث أحسن الخصال ..
و لعل من محاسن الخصال أن تسعى
في قضاء حوائج ( الخلائق ) من الناس ..
و قضاء حوائج ( الخلائق ) يكون ببذل الجهد و المال و إحسان ( العلائق ) ..
و إحسان ( العلائق ) من أحب الأعمال
إلى ( الخالق ) ..
و ( جمال ) يسعى إلى مرضاة ( الخالق ) بالمداومة على العطاء ..
و هو عطاءٌ ..
مع نقاءٍ ..
في صفاءٍ ..
على حياءٍ ..
بصدقٍ و وفاءٍ ..
و إن عبادةَ اللهِ ، بالقيام على شئون خلقه ، و السعي في مصالحهم ، قد
تكون أشق على النفس من الجهاد
في سبيله ، و أرجى منفعة ، و أعظم
ثواباً ، و أقصر الطرق إلى رحمة الله
و ألطافه الخفيَّة و نِعمه السخيَّة ..
و يبقي من حُسنِ المحاسن أن تَلهَج
ألسنتُنا بما نرى ..
من صنائع المعروف
و صُنّاع المعروف
و مَراقِي المعروف
و ها أنذا أفعل ..
أفعلُ ذلك اتساقاً مع قاعدةِ أن تقولَ
لمن أحسن : ( أحسنت ، و أحسنت ) ..
و هو خُلُق نبيل يلزم أن نتواصى به
و نُشِيعُهُ ..
و بمعنى آخر ..
إذا أسديت معروفاً لأحدٍ فلا تَعْمَد
إلى التغني به و الافتخار حتى لا تقع
تحت طائلة الرياء ..
و إذا أصابك معروفٌ من أحدٍ أو رأيت
معروفاً ينالُ أحداً ، فلك أن تُحَدِّث به
و تُذيعُهُ ، لا و يُندب ذلك حتى تُحَبِب الآخرين في جَميل الفِعال و الخِصال ..
قال تعالى :
٣٩)وَ أَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى
٤٠)وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى
٤١)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى
٤٢)وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ..
صدق الله العظيم ..
و على الله قصد السبيل ..

و السلام ..
أم درمان ..

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)