*مآلات الحرب*
العبيد أحمد مروح
قبل أن تندلع الحرب الحالية في السودان بنحو ثلاثة أيام، دعانا الأستاذ بخاري بشير، رئيس تحرير صحيفة الإنتباهة إلى مكاتب الصحيفة للتفاكر في مآلات الأوضاع، أراد أن يستمع وفريق التحرير الأساسي، إلى مجموعة مختارة توسَّم فيهم القدرة على الإستقراء.
وقد أحسن هو والعضو المنتدب ورئيس القسم السياسي بالصحيفة الشاب النشط قندول، أحسنوا استقبالنا وضيافتنا فبقينا من بعد صلاة التراويح حتى منتصف الليل حيث تناولنا وجبة السحور المبكر.
كنا مجموعة محدودة من كتاب الرأي والمحللين، جُلهم من أعضاء قروب الجمهورية الرابعة هذا، وقد كان السؤال الأساسي: هل ستندلع الحرب في ضوء التوتر الذي بلغ يومها مداه، أم لا، وكيف ستكون المآلات في الحالتين ؟
ركزتُ في مداخلتي على البعد الخارجي للأزمة، وقلت إن الخارج كان له نصيب الأسد في التغيير الذي حدث في أبريل ٢٠١٩م وأنه – الخارج – مازال يصر على هندسة الأوضاع في البلاد على النحو الذي يخدم مصالح أطرافه، وهي سردية تبنيتها وعبّرت عنها في عدة مقالات منذ العام ٢٠٢٠ وما أزال.
وعلى الرغم من أني رجّحتُ فرضية عدم اندلاع الحرب، تأسيساً على تحليل خلاصته أن “الخارج” المهيمن على القرار الوطني، لا مصلحة له في إنفجار الأوضاع، كونه حَسُن العلاقة برأسي السلطة، إلا أنني ذهبت – في مداخلة لاحقة – إلى أن الأوضاع في السودان تسير باتجاه أحد النموذجين الليبي واليمني، فكلاهما نموذج لدولة مشلولة، لا تحيط السلطة المركزية فيها بكامل التراب الوطني، وتتقاسم النفوذ فيها أكثر من قوة مسلحة ذات ظهير خارجي هو في الغالب طامع في ثروات البلاد ويعمل على نهبها مستعيناً بمليشيا محلية يتولى تدريبها وتسليحها.
أحد الأصدقاء، من غير الكُتاب، وافقني في مقولة هيمنة الخارج على القرار الوطني، لكنه ذهب إلى القول أن النموذج الذي يُراد للسودان هو أقرب إلى النموذج العراقي منه إلى الليبي أو اليمني، مستنداً على حيثيات محاولة القوى الخارجية لإعادة هندسة المجتمع السوداني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتمكين قوى مدنية تدين له بالولاء من مفاصل السلطة وخلق ديمقراطية شكلية.
انفض سامر ليلتنا تلك، واندلعت الحرب، وحدث ما أنتم شهود عليه، لكن سؤال المآلات ما يزال بلا إجابة شافية، فمِن قائل أن مخطط تقسيم السودان يجري على قدم وساق، مستشهداً بما حدث قبل يومين في حاضرة ولاية جنوب دارفور وما قد يحدث في مدن أخرى، ومِن قائل أن الهدف هو الخرطوم وبالتالي الاستيلاء على كامل السلطة، إن لم يكن في هذه الجولة ففي جولات قادمة يستجمع فيها “الأشرار” قواهم وينقضّون على ما بقي خارج سلطتهم، التي ستحكم بالحديد والنار.
في الحالتين ما يزال يتهدد بلدنا خطر وجودي، لا تجدي للتصدي له حالة السيولة السياسية والتنفيذية الراهنة. والحال كذلك، يتعين على القوى السياسية التي تتفق في رؤيتها لهذا الخطر الماثل، أن تدرك أنه كلما مضى الوقت سيزداد تمدد هذا الخطر، وأنه لا مناص من استنهاض همتها للتصدي له قبل أن يسبق السيف العزل.
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط