التصنيف: مقالات

  • مآلات خطاب حميدتي

    مآلات خطاب حميدتي

    ( هذي رؤاي )

    عبد العزيز عبد الوهاب

    قرأت خطاب الفريق حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة .
    أدناه تعقيبي :

    * السيد الفريق .. توصيفك لماضيك في محله ..

    * ترقيك الوظيفي حتى يوم الناس هذا لم يكن بيدك وحدك وإنما تكتيك ممرحل إنتهى براسميه إلى ما يشبه المازق التاريخي سيدفع الوطن ثمنه غاليا ..

    * منابذتك وتقريظك للعهد البائد تشبه قولهم : رمتني بدائها ثم انسلت .. فأنت و (دعمك) كنت ولا تزال أبهظ الأكلاف الوطنية على الجيش والمنظومة المجتمعية / السياسية في عمومها .
    * الذين كتبوا لك وأخرجوك للناس اليوم ، إنما يعبرون عن سمتهم وتوجههم المناهض المباغض و الإقصائي للآخر العريض . ودون ذلك ، فلا ضير أن تشتعل النيران التي أنت موقدها وربما حطبها في آنٍ .

    * حديثك يضعك مصطفا في مواجهة رئيسك رأسا برأس خصوصا في تسمية تغيير أكتوبر بالإنقلاب وتكرار حشر الفلول في كل فقرة بما يكاد يلغي أي دور للجيش بعد ذهاب البشير الذي إن بقي منه اليوم من بقي ، فلن يكون أحد سواك ..
    ويشتم منه كذلك أنك باستعلائية مبطنة تضع الدعم على خط المواجهة الصريحة ، التي لا سقف يلوح أمامها.

    * لم تشر من قريب إلى قبولك الصريح ونزولك على حديث البرهان حول تسريع دمج الدعم مع القوات المسلحة كشرط صحة وضمان لتمرير الاتفاق الإطاري والإنسلاك الطوعي في منظومتها وةراتبيتها وإنضباطها.

    * على الصعيدين الاقتصادي المحلي والإقليمي المتشابك بتجاذباته ووكلائه تبدو أكثر الممسكين بالملفات والمداخيل التي تتمظهر في تمددك شرقا لغرب فيما تبدو و كأنك رجل بر وإحسان أكثر منك رجل دولة تحكمه قنوات وادوات ومناسبات .
    * سيولد حديثك مشافهات ساخنة مع رئيسك وكتلة المجلس بما يصعب التكهن معها بالمآلات المتولدة ما يباعد بين الأقطاب ويزيد فرلسخ اتساعها فراسخا

    ودمتم

     

  • *العدوي تنتقل لحميدتي…..* *الجحود والمفردات المحروقة..!!*

    *العدوي تنتقل لحميدتي…..* *الجحود والمفردات المحروقة..!!*

    بالواضح

    فتح الرحمن النحاس

    أقرب مستشار لحميدتي كان يمكن أن يذكره بأن مايسميهم بالنظام البائد هم أصحاب الدعوة (بلا منازع) للإنتخابات والإحتكام لإرادة الشعب، وأنهم أكثر فئات الشعب في التحذير من (الفتنة) التي يتحدث عنها الرجل..وأنهم أصلاً ليسوا طرف في هذه الفترة الإنتقالية (الكئيبة المضطربة)، ولذلك فإن أي عجز في إدارة الدولة، إنما يرجع لقيادة الحكم الحالية ولاناقة ولابعير للنظام السابق ومنسوبيه في هذا (الفشل) الذي أقر به حميدتي بعضمة لسانه…أما لماذا هذا (التجني) من جانبه ضد النظام السابق..؟!! فهذا لاتفسير له غير (جحود) الرجل لدور النظام في إخراجه للدنيا ودعمه وترفيعه في الرتب العسكرية، أم ياتري أن حميدتي يتنكر لعلاقته (الخاصة) مع الرئيس البشير الذي أولاه (الرعاية الكاملة) والدعم المهول لقواته بالمال والسلاح..؟!!
    *حميدتي لم يكن في حاجة لأن (يستعدي ويخسر) النظام السابق و(منسوبيه الملايين) الذين ساندوه من قبل، فتصريحاته التي تحمل هذا (العداء الظاهر) لهم يفقد جراءها ماكان يتمتع به من (شعبية صلبه)، ولن يجدها من الذين (يتقارب) معهم الآن الذين ينتظرون الفرصة المواتية للإنقضاض عليه وهذا مايخرج من مجالسهم الخاصة، بل هم من (ينفخون) علي نار عداوته مع منسوبي النظام السابق لإحداث (الفتنة الحقيقية)، التي لو استجاب لها من يعنيهم فستكون عواقبها وخيمة علي كل السودان وعليه هو نفسه…ولأننا لاننكر (إشادتنا) لبعض أدواره قبل تحوله الأخير، فإننا من هنا نذكر حميدتي أن (قيمته الحقيقة) أن يتخذ (موقعه) في الأعمال الوطنية الخالصة التي ربح منها الكثير وأن يجعل منها (برنامجه الأهم)، وألا يشغل وقته بإستعداء النظام السابق ومنسوبيه، فالشعب في غالبيته العظمي ومن يتوادد معهم الآن يعلمون أنه واحد منهم وكان شريكهم في الحكم و(رأس السوط) يلحقه في كل ماينسبه إليهم من أخطاء، بل أن من يتقارب معهم الآن (لايثقون) في أي مستقبل قد يجمعهم معه وقد قالها بعضهم صراحة..!!

    *إن كان لحميدتي (الحق) في أن (يحب) أو يعادي النظام السابق ومنسوبيه أو أن ينتمي للقحاتة فهذا شأنه و(لايزعج) النظام السابق ومنسوبيه في شئ ولايلقون له بالاً..ويبقي (المحك) أن يثبت حميدتي أنه قادر علي تقديم مايفيد وطنه ودينه وإرادة شعبه، فإن أختار ذلك يكون أخرج نفسه من (حسكنيت) التصريحات التي تثير (السخرية) ضده بين قطاعات الشعب، ويكون تعافي من (إبليس) الذي يجلس بجواره ويسوقه إلي المجهول..!!

    سنكتب ونكتب…!!!

  • تداعت الأكلة على قصعة السودان

    تداعت الأكلة على قصعة السودان

    بقلم : المهندس حسب الله النور

    أختتم المبعوثون الخاصون، والممثلون من كل من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، وقد اجتمعوا مع مجموعة من الجهات الفاعلة في السودان بمن فيهم المدنيين الموقعين على الاتفاق الإطاري، وممثلين من منظمات المجتمع المدني، ولجان المقاومة، والأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والقيادات العسكرية.
    وفي بيان صحفي حث المبعوثون الخاصون، والممثلون للأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق الإطاري، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وقد تزامن كل ذلك مع زيارة وزير الخارجية الروسي، وممثل الاتحاد الأفريقي، وقبل ذلك بأيام تم استقبال وزير خارجية يهود في السودان وأجرى اتصالات مكثفة مع كبار المسئولين.

    التعليق:
    إن هذا التكالب على السودان لا يبشر بخير قط، فهؤلاء الأكلة لا يجتمعون لخير أي أمة من الأمم، ولا لمصلحة شعب من الشعوب، فطوال القرنين الماضيين، ظل العالم كله يكتوي بنيران تآمرهم، ومن أكثر النماذج شهرة على مؤامراتهم؛ اتفاقية سايكس بيكو السرية التي وقعت في العام 1916م بين فرنسا وإنجلترا بمباركة كل من روسيا وإيطاليا، والتي قرروا فيها تمزيق الخلافة، وتقاسم تركتها، حتى أخرجوها للعلن في معاهدة سيفر في العاشر من آب/أغسطس 1920م، وكذا معاهدة فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى، التي قرروا فيها مص دماء الألمان، ولما انتصرت عليهم، ما لبثوا إلا قليلاً ثم عادوا إليها وقطعوها إربا.
    أما في أيامنا هذه فقد اجتمعوا على العراق في حربين متتاليتين، أدتا إلى تدمير العراق، ومكنتهم من نهش لحمه، وأن يلعقوا دمه حتى ساعتنا هذه، وكذا ما يجري في ليبيا من تمزيق، وفي سوريا من تدمير، وفي اليمن من تقسيم، وها هو السودان الآن على قصعة الأكلة. فإن كانوا قد دخلوا إلى الدولة العثمانية غالبين مستعمرين، وكذا إلى ألمانيا، فإنهم قد دخلوا السودان مستحمرين، وذلك حين أرسل حمدوك رسالته خلسة يدعوهم ليتداعوا إلى قصعة السودان، فما إن سكتنا عليهم حتى أعلنوها صراحة أنهم هم من يقرر في شأننا، ويحدد مصيرنا، فصاروا يصولون ويجولون في البلاد أنّى شاءوا، يقابلون من يشاؤون ومتى يشاؤون بلا رقيب ولا حسيب، وما ذلك إلا لهوان الحكام الرويبضات عليهم!
    إن هذه الأحزاب التي تجول من سفارة إلى سفارة، وتلك التي ترتاد المنتجعات، كلهم في الجريمة سواء، فكل ما يمنون به أنفسهم هو أن يلعقوا ما تبقى في قصعة الأكلة، أو حتى من فتاتها، هؤلاء لا هم لهم إلا أن يصلوا إلى السلطة ليجلسوا على كراسيها. أما الحكام العسكريون فإنهم يغلقون الباب على هؤلاء، ولا يتركون لهم مدخلا قيد أنملة، فكرسي الحكم يحميهم من المساءلة عما اقترفته أيديهم من سفك للدماء المحرمة، فكلا الفريقين مقطوع منهما العشم.
    كان الأمل معقوداً على علماء الأمة وخطبائها ودعاتها، أن يتصدوا لهذا الأمر. وهم الذين قال فيهم الإمام سفيان الثوري: (يا معشر العلماء، يا ملح البلد، لا يصلح الملح إذا الملح فسد!)، لكن وا أسفي على الكثير من مواقف العلماء والخطباء والدعاة، فقد سمعت بكل أسى في اليوم الذي جاء فيه وزير خارجية كيان يهود، ويداه تقطران من دم إخوتنا في فلسطين، فوجد من يصافح تلك الأيدي الآثمة، فسمعت في تلك اللحظات أحدهم يتحدث عن السواك والاستنجاء!!
    إن مثل هذه المواقف ليست شاذة ولا منقطعة، فكلنا شهود في الفترة الأخيرة على الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في بلدنا السودان، ورايات الكفر والعلمانية ترفع عالية، وسفراء الدول الغربية المستعمرة تجوب البلاد طولاً وعرضاً، بينما علماؤنا وخطباؤنا يكلموننا عن الإكثار من الطاعات، وعن بر الوالدين، والتبكير لصلاة الجمعة، وحسن الخلق، فكلها أحكام شرعية حقا، لكن ألم يسمع هؤلاء بقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام حيث قال: (إذا فشا الجوع بين الناس وتحدث العالم عن الزنا فقد خانهم)؟! أي إذا انصرف العلماء للحديث عن القضايا الفردية، وهناك قضية عامة، لا سيما إن كانت قضية تضعف في العقيدة، وتحقر في الإسلام فإن هذا الموقف يعتبر خيانة للأمة، أفلا تعتبر مثل هذه المواقف تجسيداً للعلمانية، وتمكيناً لها؟! قال أحدهم: (تريدون مني أن أتعبد في المسجد، وأترك السياسة، وتعلّمون ابني كراهية الإسلام في المدارس، ليعود ويهدم المسجد فوق رأسي؟!).
    إن المسؤولية عن هذا الدين، وعن هذا البلد ليست حكراً على العلماء والساسة، إنما هي فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى على الناس كافة، كل حسب موضعه وقدرته وإمكاناته، صحيح أنه فرض على الكفاية، لكن إذا لم تحصل الكفاية فإنه يظل فرضاً على الجميع إلى أن تحصل الكفاية. أما التصدي لهؤلاء الأكلة الذين يسيحون فسادا وتقطيعا في بلادنا، فهم حينما قسموها إلى دويلات، كانوا يخططون لمثل هذا اليوم، فجعلوها لقمة سائغة يسهل بلعها وهضمها، ومن هنا كان لا بد من تفويت الفرصة عليهم، بعودة المسلمين أمة واحدة تحت راية واحدة، يحكمها خليفة واحد، يتصدى لأطماع الكفار، بل يحاصرهم في ديارهم، يحمل إليهم الخير والهدى ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لمثل هذا يجب أن يعمل المسلمون.

  • انتفاضة رجب الهلالية

    انتفاضة رجب الهلالية

    فنجان الصباح..
    احمد عبدالوهاب

    صيف عام ١٩٨٨م.. كان الهلال يلعب ماتشا فاصلا في دوري الابطال الأفارقة امام الاهلي المصري في القاهرة في أرضه وبين جمهوره.. وكانت الآمال وارفة وعريضة والأحلام مترفة وغضة،، وكان الأهلة في حاجة لنصر وكأس بأي ثمن.. ولكن كيف مع الاهلي المصري الذي كأنما وقع مع الكؤوس الأفريقية معاهدة صداقة.. لقد أبعد الهلال النجعة..
    وكتب أبو آمنة حامد له الرحمة يقول( ليس مهما ان يظفر الهلال بالكأس ولكن من المهم جدا الا يظفر به الأهلي المصري)..
    كانت صحيفة( الاضواء) ماثلة للطبع، وينقصها خبر الهلال.. ودخل علينا في ديسك الاخبار الأستاذ الراحل الكبير محمد الحسن احمد صاحب الاضواء ورئيس تحريرها.. وكان الاستاذ المرحوم شريف طمبل مشرفا على الصحيفة وكانت توجيهات رئيس التحرير ( أبرزوا الخبر في حال انتصر الهلال.. وضعوه على استحياء اذا انهزم)..
    وللأسف فقد انهزم الهلال بنيران صديقة.. بعدما سدد المدافع واسمه الثعلب هدفا قاتلا و بالخطأ في مرمى ( يور).. وتبخرت الأحلام الزرقاء وباتت القبيلة الكبيرة حزينة ومسهدة.. وكان استاذنا بابكر الصادق مدير ادارة الاخبار بالتلفزيون آنذاك يقول ( في أي ليلة ينهزم فيها الهلال تبيت أسرتي على الطوى بدون عشاء).. ومثله كان كل الهلالاب الغيارى..
    وبعد نحو من ٣٥ عاما آن للاستاذ بابكر وأسرته وكل القبيلة الزرقاء أن يتعشوا ( هنيئا مريئا غير داء مخامر)..
    اخذ الهلال بثأره القديم.. واسعد جمهوره العريض.. والمأمول أن تكون انتفاضة الهلال ربيعا طويلا للكورة السودانية، وليس مجرد صدفة سعيدة.. في زمان لا يأبه كثيرا بالصدف العوابر والحظوظ العواثر..
    يقول المؤرخ البريطاني ( الان مورهيد) إنني ( لا أؤمن بالحظوظ.. فهي عندي فرص تمر علي كل الناس فيفطن لها البعض ويعمي عنها الآخرون)..

  • الاسراء والمعراج ذكرى وتأمل

    الاسراء والمعراج ذكرى وتأمل

    د علي الكرار هاشم محمد

    رحلة الإسراء والمعراج واحدة من الحوادث الكبرى والأمور العظيمة التي حدثت بمكة المكرمة، وهي من المعجزات التي يكرم الله بها رسله ويثبتهم أمام طوفان التكذيب وجيوش أعداء الحق، وقد جاءت هذه الحادثة في وقت عصيب وعقب أحداث كثيرة واجهت الرسول صلي الله عليه وسلم، ثم كانت بداية لتشريع وعبادات تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
    برغم مرور أكثر من عشر سنوات علي الدعوة، لكن ظل الوثنيون علي كفرهم وعنادهم ورفضهم للدين ثم صدهم للناس عن الإتباع وقبول الدعوة أو حتى مجرد التفكير في الاستماع والنقاش المفيد، ويتطور أمر الرفض كل حين حتى يصل إلي المقاطعة والمواجهة، فيتعرض الرسول الكريم للضرب والاهانة ويصبح مواجها بكل خطر هو وأسرته ليحاصروا داخل منطقتهم (شعب بني هاشم) وهي من أصعب مراحل الكفر والتكذيب، لهذا يهاجر البعض إلي الحبشة، ويعود بعض المسلمين الجدد إلي مناطقهم في انتظار الفرج، لكن الرسول الكريم مأمور بالتبليغ ورسالته تستهدف العالم كله إنسه وجنه فهل يبقي رهينا لسطوة كفار مكة.
    في هذا الجو من التربص بالدعوة الوليدة ومحاربتها وحصارها، تنتقل إلي الرفيق الأعلى السيدة خديجة زوجة الرسول وأم أولاده، السيدة خديجة رضي الله عنها هي جانب السعادة والطمأنينة والراحة بل هي البيت السعيد بأطفاله ومشاعر الحياة بكل ألوانها، وكانت خديجة بتاريخها الباذخ وسبقها في الإسلام ودعمها المستمر تشكل الحماية والأمن عند الرسول الكريم وها هي تودع الحياة تاركة مساحات من الفراغ وسط أجواء مكة، ثم لا تلبث أن تتجدد الأحزان بوفاة الرجل الذي حمل عبء الدفاع عن الرسول في وجه الطغيان الوثني، إنه عمه أبو طالب، ذلك الذي حماه ورعاه وظل يباشر تأمينه بنفسه حتى أماكن نومه وتنقله من بيت الي آخر خوفا من غدر الأعداء، أبو طالب بمكانته وشرفه في مكة يرحل ليجد الرسول صلي الله عليه وسلم نفسه مكشوف الظهر أمام أعداء الدعوة، يحزن الرسول الكريم كثيرا خاصة وعمه يرحل دون أن يسلم ويقر عينه بنطق الشهادة، لكن مسيرة الأنبياء قاصدة لرحاب عليا وآفاق فسيحة فلا تعرف التوقف ولا يضيرها نقص العدد ولا قلة الزاد.
    وذات يوم ينادي الرسول صلي الله عليه وسلم لابنه بالتبني (زيد بن حارثة) فيتسللا من مكة بلا دابة ولا متاع ولا زاد في اتجاه الطائف، تلك المدينة التي تشمخ بجوار مكة بقبائلها وبساتينها ومجدها، أليست هي المدينة التي تمني الوثنيون أن لو أتي منها الرسول في قولهم (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم) فذهب إليهم ومكث بينهم عشرة أيام يدعوهم ويطلب منهم الحماية ، لكنهم تجاهلوا وكذبوا، فلما يئس منهم طلب كتمان أمر الزيارة، فأبوا ذلك بل زيادة في الفجور أغروا به الصبيان والسفهاء فرجموه بالحجارة وضربوه حتى أدموه لو لا حماية الله ودفاع زيد عنه. خرج الرسول الكريم من الطائف وسط أجواء التكذيب والكفر ليفاجئه ملك الجبال عارضا عليه أشد أنواع الانتقام من المكذبين، لكن قلب الرسول كان قد امتلأ ايمانا ورجاء وأملا في خير الأمة لهذا فقد تمني أن يستجيب القوم أو ربما تستجيب من بعدهم الأجيال وفي كل خير. ويدخل الرسول صلي الله عليه وسلم مكة تحت جوار الزعيم (المطعم بن عدي) وتلك أعراف حفظها العرب، وقد حفظها الرسول الكريم للرجل حتى قال حين وقف علي أساري بدر (لَوْ كَانَ المطعم بن عدي حياً، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لَتركتهم له)، ويبقي في مكة مرة أخري يعالج دعوته بالحكمة ويقابله القوم بالقسوة والسخرية.
    وذات ليلة وبينما الرسول صلي الله عليه وسلم نائما، أتاه ملكان فذهبا به الي البيت الحرام حيث شقا صدره الشريف وغسلا قلبه بماء زمزم وملآه بالحكمة والأيمان، ثم أتاه جبريل بدابة هي أعلي من الحمار وأدني من البقل يقال لها (البراق) فركبها من مكة المكرمة إلي بيت المقدس في فلسطين وهذه هي رحلة الاسراء، وهناك جمع الله له الرسل فصلي بهم ثم حمله جبريل وصعد به السماء في رحلة المعراج.
    عرج به صلي الله عليه وسلم وكان جبريل يستفتح عند أبواب كل سماء فيفتح لهم ويرحب بالنبي الكريم، ثم يسلم علي الأنبياء في كل سماء بحسب درجاتهم حيث وجد أباه آدم في السماء الأولي، ويحي وعيسي في الثانية، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة ادريس، وفي السماء الخامسة هارون، وفي السادسة موسي وفي السماء السابعة إبراهيم عليهم جميعا السلام. ثم يصل إلي سدرة المنتهي والبيت المعمور، ثم علا فوق كل ذلك وخاطب الله تعالي وهناك فرضت عليه الصلاة، ثم رأي الجنة والنار و( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) رأي الكثير مما نقلته كتب السيرة، ثم عاد بنفس الطريقة ليكمل ليلته في مكة، وينطلق مبشرا ومحدثا بما كان له.
    دخل صلي الله عليه وسلم الحرم بثقة الأنبياء وإيمانهم الذي لا تهزه أكاذيب البشر، دخل الحرم فكان هناك كالعادة الطاغوت الأكبر أبو جهل، ذلكم الذي جعل من نفسه العدو الأول للدعوة، يمنع الناس ويصدهم بكل السبل ويتابع الرسول مثل ظله لا يكل ولا يمل، فاقترب من الرسول وسأله بخبث فأخبره الرسول مباشرة، فقال له بفرح غامر أضمره لحاجة في نفسه، وهل أنت مخبر الناس إذا جمعتهم لك، قال نعم فنادي أبو جهل في الناس، فحدثهم الرسول صلي الله عليه وسلم بثقة الأنبياء وعبارات الصادقين وحكي لهم كل تلك الليلة، فبعضهم طالب ببعض البيانات، وبعض سخر وضحك، وأرتد بعض المسلمين, لكن بعضهم ذهب بالخبر لأبي بكر الصديق عسي أن يترك صاحبه حين يسمع هذا الخبر العجيب، فاذا بالصديق يردهم خائبين ويحدثهم حديث المؤمن الذي لا يتضعضع إيمانه أمام الأكاذيب والأراجيف والاشاعات.
    كانت الإسراء والمعراج رحلة معجزة في تفاصيلها وشكلها، معجزة في زمنها ومدتها، وحري بها أن تكون كذلك فهي أمر رباني سماوي لا علاقة له بعالم البشر، ومن هنا كانت اعجازا وكان آية بينة، خاصة والأمر تم للرسول الكريم روحا وجسدا وليس مجرد رؤية منامية تحدث لأي انسان.
    ثم إن هذه الرحلة أتت للرسول الكريم عقب مراحل عديدة من الحزن ففيها له التسرية، فقد شاهد المعجزات، وقابل اخوانه الأنبياء فحدثهم وحدثوه، وفيها فرضت الصلوات بتفاصيلها الحالية لندرك مدي أهميتها وعظيم شأنها فهي بخلاف بقية الفروض والأوامر ظلت أمرا تم في السماء، والرحلة هذه زادت الصف المسلم في مكة تماسكا وقوة حين تبين مدي الصدق الذي واجه به الرسول كفار مكة، إضافة لأنها أيضا قامت بتنقية الصف من الضعفاء الذين انهزموا سريعا وارتدوا.
    إن رحلة الاسراء والمعراج بلا شك واحدة من المعجزات الإلهية التي حدثت لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، وهي للمؤمنين تبقي كواحدة من الأمور المسلم بها تحدث كما الأمر الرباني (كن فيكون)، وقد اختلف أهل السير والمؤرخون في توقيتها هل تمت قبل الهجرة بثلاثة سنوات أم سنتين أم سنة واحدة وهي المرجح، كما اختلفوا في شهرها بين ربيع الأول والأخر ورجب وهو الذي عليه الناس اليوم، وكل ذلك لا يؤثر في حجم الرحلة وعظمتها والايمان بها وبكل ما دار فيها.

  • ٢ كاكاو باللبن!!!

    ٢ كاكاو باللبن!!!

    فنجان الصباح

    احمد عبدالوهاب
    جاءت حكومة
    الانتفاضة (١٩٨٥م) بالدكتور محمد بشير حامد الكادر اليساري، والاستاذ الجامعى وزيرا الثقافة والإعلام .. وكانت أولى قراراته إيقاف صحيفة (الوان).. ومنع عدد من الصحفيين من الكتابة علي رأسهم الناقد الرياضى الشهير، الاستاذ الكبير ميرغني أبو شنب الذي منع من الكتابة في (الايام)..
    وعادت (ألوان) للصدور بامر القضاء السوداني العظيم.. وعاد معها أبو شنب كاتبا راتبا.. وكانت ( ألوان ) يومها تطبع لوحدها، أكثر مما تطبعه مطابع الخرطوم اليوم، من صحف سياسية ورياضية واجتماعية مجتمعة.. وكان القارئ يتلقفها وهي أشهى لديه من ماء بارد على ظمأ.. وتنفد من الأسواق مبكرا..
    كانت( ألوان ) ماثلة للطبع.. لما دخل الأستاذ الكبير (حسين خوجلي) رئيس التحرير الشاب لصالة التحرير ، وسأل لماذا لم ترسلوا الصحيفة للمطبعة.. فقيل له إنها تنتظر زاوية الأستاذ ميرغني ابوشنب الشهيرة (بصراحة) .. ولما كانت الصحيفة في سباق مع الزمن.. ولابد أن تذهب للمطبعة، وكان لابد أن تصدر وبها ( بصراحة).. فقد فكر صاحب( ألوان ) هنيهة ، ثم دخل مكتبه وبعد خمس دقائق دفع لفني الكمبيوتر بزاوية ( بصراحة)..
    وصدرت (ألوان ) بمقال رائع كتبه ابو ملاذ على لسان (ابو شنب)
    جاء فيه..
    ( أنا وزميلي حسن مختار في غرب افريقيا َمع مرشح السودان عبد الحليم محمد(دكتور حليم) لرئاسة اتحاد الكرة الافريقي (الكاف).. وغرب أفريقيا بلاد تجيد الكورة والفرنسية.. ونحن غرباء الوجه واليد واللسان.. ولأجل ذلك ظللنا طوال ٢٤ ساعة لا نتناول في كل وجبة غير ( البسكويت والكاكاو باللبن) ..
    أرسل حسن مختار للدكتور حليم طالبا منه ان يبعث لنا مترجم ( نتعشى) به.. ووافق دكتور حليم علي مضض.. ووقف أمامنا فتى غاني انيق حليق، وأنصت لطلبات (أبوعلي ) بكل أدب واريحية .. ثم دخل لإدارة المطعم في الفندق الفاخر ، وخرج بعدها وقال ؛ ان كل شئ جاهز، وكل طلباتكم حاضرة ومرتبة .. وأن عليه الانصراف الآن معتذرا لانشغاله مع الدكتور حليم بأشغال معركة الإنتخابات الأفريقية حامية الوطيس..
    وكان أبوعلي قد طلب طبقين من( الشية) الضاني، مع طبق من الفتة الساخنة، ومعها توابعها من السلطة الخضراء، والبيضاء.. ولم ينس الشطة والليمون. وراح في انتظار أحر من شية بالجمر، يتخيل الوجبة التي رأي في مقدمها طلعة الخرطوم بالليل..
    ولكن كم كانت دهشتنا عظيمة، عندما وضع النادل أمامنا البسكويت و ( اتنين كاكاو باللبن)..
    وأما بقية القصة.. فقد ( سقط دكتور حليم)..
    وكان تعليق صاحب (من الركن) و(حزمة تفانين) :
    و( ليه مايسقط دكتور حليم إذا عنده مترجم أقول ليهو عايز منتخب السنغال، يجبب لي حكام الكاميرون)..
    سقى الله تلك الأيام..

  • بدون زعل.. عبد الحفيظ مريود.. قف الإشارة لاتزال حمراء

    فى تصريح باكر – لم يأخذه أحد على محمل الجد، بالطبع – قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالى، الفريق حميدتى، وكان الجميع يضغط باتجاه أن الإسلاميين ما يزالون مطلقى السراح، “يبرطعون” يمينا وشمالا، والثورة طازحة، قد تم إنزالها من الموقد، قال :” ياخونا دايريننا نعتقل ناس المؤتمر الوطنى كلللللهم؟ دا حزب عضويتو خمسة مليون…نلقى ليهم سجون وين؟”.

    الرقم غير دقيق، بالطبع..
    لكن ملفات الإسلاميين (وطنى، شعبى، إصلاح الآن، إحياء وتجديد، منبر سلام عادل، إخوان مسلمون، متمردون على الأطر التنظيمية)، تفيد بأن الرقم الذى ذكره حميدتى ليس بعيدا، تماما…بالتأكيد تساقط كثيرون من “المنتفعين” من المؤتمر الوطنى، لأنه “وعاء جامع”…لكن الإسلاميين يظلون إسلاميين، إنتماء، وقادرين على إعادة تقديم أنفسهم، وهو أمر يجب ألا يستهين به أى استراتيجى.
    شايف كيف؟
    الأكثر حداثة، قراءة عميقة، وقدرة على التحليل، لدى الشيوعيين، بعد عبد الخالق محجوب، كان محمد إبراهيم نقد…نقد – بالتأكيد – واقع فى فخ أقل عمقا من بقية الشيوعيين..لكنه – مثلا – حين يكتب ” هوامش على وثائق تمليك الأرض”، فى كتابه ” علاقات الأرض فى السودان” يخلص إلى أنه كان ” نظاما إقطاعيا”، ذلك الذى سلكه سلاطين الفور، الفونج، العبدلاب،،بأن جعلوا “ملكية الأرض حق أصيل للسلطان، يمنحه لمن يشاء وقتما يشاء، بلا منازع”..الفخ أيديولوجى بامتياز. يجادله – بلطف، كعادته – بروفسور محمد إبراهيم أبو سليم، فى مقدمته للكتاب، مشيرا إلى “الفخ الفاغر فاه”، الذى كاد أن يقع فيه نقد..لكنه فى الواقع، وقع..إذ لا يمكن اعتبار حق السلطان فى تمليك الأرض ” الحواكير”، إقطاعا إلا بجور الإعتساف…
    شايف؟
    وبالتالى، سيقع جميع الشيوعيين، لأنهم أقل حساسية ونباهة من نقد، فى فخاخ قراءة وتحليل التأريخ والواقع..الركاكة الفكرية والتخبط السياسى للحزب الشيوعى، بعد سقوط الإنقاذ يثبت ذلك..فالأدوار التى لعبها الحزب فى تقويض حكومة حمدوك، تفكيك قوى الحرية والتغيير، تمكين “العسكر”، لو طلب إلى الإسلاميين أن يقوموا بها، لعجزوا…خاصة خلال السنوات الثلاث أو الأربع التى تلت سقوطهم.
    الشيوعيون، البعثيون، الناصريون: من يمكن تسميتهم باليسار، “يجلون” الكرة، لا يسددون خارج المرمى، وإنما “يجلونها”، وهى ضربة جزاء..
    لم تنهض التيارات العلمانية، الليبرالية، الديمقراطية من مرحلة “الحبو”، لتقف على قدميها، تمهيدا للمحاولات الإبتدائية للمشى..وهى – بكثير من التجاوز – يمكن تسميتها فى (المؤتمر السودانى + الاتحادى المعارض)..يلوح سمت خادع بأن (التحول الديمقراطى) هدف للجميع، بما فى ذلك اليسار. لكن النظرة الفاحصة تبين أنه قناع غاية فى الطرافة..ذلك أن ( التحول الديمقراطى) يستوجب قبول الجميع، والاستسلام المتصالح مع نتائج السباق فى مضمار الديمقراطية..
    شايف كيف؟
    يجادل أكاديميان أوربيان، ومعهم د. آدم موسى عبد الجليل، فى بحث رصين بعنوان (عودة السلطات التقليدية للحكم فى دارفور) – لم يترجم إلى العربية، بعد – بأنها – الإدارات الأهلية – التى ما فتئت تدخل فى نسق الحداثة، مطورة ذاتها، وأدواتها للإستجابة لمتطلبات الوقت، وقادرة على إحداث توازنات مهمة، ستكون لها أدوار أكثر حساسية فى المستقبل السياسى فى السودان.
    ينسحب ذلك، بلا شك، إلى كل (السلطات التقليدية)..والدليل على ذلك الأدوار التى ظل يلعبها الناظر محمد الامين ترك، ومجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، منذ سقوط الإنقاذ..وهى – السلطات التقليدية هذه – ليست ضمن حسابات وقراءات وأنظمة تفكير اليسار والليبراليين، ولجان المقاومة، ومجموعات الشباب..وبالتالى ستظل سندا محتملا للإسلاميين، لأنهم – من وقت مبكر – استطاعوا استيعابها، أو جزء كبير منها، كما فعلوا مع التيارات الصوفية…
    إلى أين يقودنا ذلك؟
    يقود إلى ضرورة إعادة التعامل الحكيم، وبنظر ثاقب، مع معطيات الواقع السياسى، وإعادة الإعتبار للقوى المؤثرة، بدلا عن محاولات القفز عليها، والتذاكى الأحمق، أو تصفية الحسابات..
    قبل سنتين، أو أكثر، تقريبا، كنت أعابث د. خالد التجانى النور، رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” والسياسى النابه، قلت له ” شايفك بقيت قحاتى!!”..رد – بسخرية – ” القحاتة هم البقونى “.. فى إشارة إلى أنه، الإسلامى المعروف، وأحد مديرى مكتب الترابى السابقين، كان قد سبق “القحاتة” بسنوات فى الجهر بضرورة تغيير : الفكرة، الممارسة السياسية، إعادة ترتيب الأولويات، إلى الدرجة التى جعلته ” مفارقا للجماعة”..وخالد التجانى ليس وحيدا، إذ فعل ذلك، وسط الإسلاميين..بل سبقه كثيرون، إلى درجة أنهم يمكن أن يشكلوا – بقليل من الحنكة – تيارا أقوى من تيارات قحت (جناح الموز، جناح السفارات، جناح أم جكو)، هذا فضلا عن الإسلاميين التقليديين، مضافة إليهم (السلطات التقليدية) التى أشار إليها البحث، سابق الذكر..
    شايف كيف؟
    مهما يكن من أمر، فإن الحسابات القادمة – بالنظر إلى ما نحن فيه – تحتاج مصالحة شاملة، أهم بنودها أن تستوعب الإسلاميين، شاء من شاء، وأبى من أبى..لكن على الإسلاميين، بالمقابل، أن يعيدوا بناء أطروحاتهم، أن يراجعوا ممارساتهم، أن يقدموا اعتذارات صريحة، وصادقة للشعب السودانى عن أخطائهم القاتلة، وأن يقبلوا بالعدالة…
    ثم:
    فلينظروا أيها أزكى طعاما، وليتلطفوا، لأن زمان العنتريات قد ولى إلى غير رجعة.

  • بدون زعل.. عبد الحفيظ مريود.. قف…الإشارة لا تزال حمراء

     

    فى تصريح باكر – لم يأخذه أحد على محمل الجد، بالطبع – قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالى، الفريق حميدتى، وكان الجميع يضغط باتجاه أن الإسلاميين ما يزالون مطلقى السراح، “يبرطعون” يمينا وشمالا، والثورة طازحة، قد تم إنزالها من الموقد، قال :” ياخونا دايريننا نعتقل ناس المؤتمر الوطنى كلللللهم؟ دا حزب عضويتو خمسة مليون…نلقى ليهم سجون وين؟”.
    الرقم غير دقيق، بالطبع..
    لكن ملفات الإسلاميين (وطنى، شعبى، إصلاح الآن، إحياء وتجديد، منبر سلام عادل، إخوان مسلمون، متمردون على الأطر التنظيمية)، تفيد بأن الرقم الذى ذكره حميدتى ليس بعيدا، تماما…بالتأكيد تساقط كثيرون من “المنتفعين” من المؤتمر الوطنى، لأنه “وعاء جامع”…لكن الإسلاميين يظلون إسلاميين، إنتماء، وقادرين على إعادة تقديم أنفسهم، وهو أمر يجب ألا يستهين به أى استراتيجى.
    شايف كيف؟
    الأكثر حداثة، قراءة عميقة، وقدرة على التحليل، لدى الشيوعيين، بعد عبد الخالق محجوب، كان محمد إبراهيم نقد…نقد – بالتأكيد – واقع فى فخ أقل عمقا من بقية الشيوعيين..لكنه – مثلا – حين يكتب ” هوامش على وثائق تمليك الأرض”، فى كتابه ” علاقات الأرض فى السودان” يخلص إلى أنه كان ” نظاما إقطاعيا”، ذلك الذى سلكه سلاطين الفور، الفونج، العبدلاب،،بأن جعلوا “ملكية الأرض حق أصيل للسلطان، يمنحه لمن يشاء وقتما يشاء، بلا منازع”..الفخ أيديولوجى بامتياز. يجادله – بلطف، كعادته – بروفسور محمد إبراهيم أبو سليم، فى مقدمته للكتاب، مشيرا إلى “الفخ الفاغر فاه”، الذى كاد أن يقع فيه نقد..لكنه فى الواقع، وقع..إذ لا يمكن اعتبار حق السلطان فى تمليك الأرض ” الحواكير”، إقطاعا إلا بجور الإعتساف…
    شايف؟
    وبالتالى، سيقع جميع الشيوعيين، لأنهم أقل حساسية ونباهة من نقد، فى فخاخ قراءة وتحليل التأريخ والواقع..الركاكة الفكرية والتخبط السياسى للحزب الشيوعى، بعد سقوط الإنقاذ يثبت ذلك..فالأدوار التى لعبها الحزب فى تقويض حكومة حمدوك، تفكيك قوى الحرية والتغيير، تمكين “العسكر”، لو طلب إلى الإسلاميين أن يقوموا بها، لعجزوا…خاصة خلال السنوات الثلاث أو الأربع التى تلت سقوطهم.
    الشيوعيون، البعثيون، الناصريون: من يمكن تسميتهم باليسار، “يجلون” الكرة، لا يسددون خارج المرمى، وإنما “يجلونها”، وهى ضربة جزاء..
    لم تنهض التيارات العلمانية، الليبرالية، الديمقراطية من مرحلة “الحبو”، لتقف على قدميها، تمهيدا للمحاولات الإبتدائية للمشى..وهى – بكثير من التجاوز – يمكن تسميتها فى (المؤتمر السودانى + الاتحادى المعارض)..يلوح سمت خادع بأن (التحول الديمقراطى) هدف للجميع، بما فى ذلك اليسار. لكن النظرة الفاحصة تبين أنه قناع غاية فى الطرافة..ذلك أن ( التحول الديمقراطى) يستوجب قبول الجميع، والاستسلام المتصالح مع نتائج السباق فى مضمار الديمقراطية..
    شايف كيف؟
    يجادل أكاديميان أوربيان، ومعهم د. آدم موسى عبد الجليل، فى بحث رصين بعنوان (عودة السلطات التقليدية للحكم فى دارفور) – لم يترجم إلى العربية، بعد – بأنها – الإدارات الأهلية – التى ما فتئت تدخل فى نسق الحداثة، مطورة ذاتها، وأدواتها للإستجابة لمتطلبات الوقت، وقادرة على إحداث توازنات مهمة، ستكون لها أدوار أكثر حساسية فى المستقبل السياسى فى السودان.
    ينسحب ذلك، بلا شك، إلى كل (السلطات التقليدية)..والدليل على ذلك الأدوار التى ظل يلعبها الناظر محمد الامين ترك، ومجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، منذ سقوط الإنقاذ..وهى – السلطات التقليدية هذه – ليست ضمن حسابات وقراءات وأنظمة تفكير اليسار والليبراليين، ولجان المقاومة، ومجموعات الشباب..وبالتالى ستظل سندا محتملا للإسلاميين، لأنهم – من وقت مبكر – استطاعوا استيعابها، أو جزء كبير منها، كما فعلوا مع التيارات الصوفية…
    إلى أين يقودنا ذلك؟
    يقود إلى ضرورة إعادة التعامل الحكيم، وبنظر ثاقب، مع معطيات الواقع السياسى، وإعادة الإعتبار للقوى المؤثرة، بدلا عن محاولات القفز عليها، والتذاكى الأحمق، أو تصفية الحسابات..
    قبل سنتين، أو أكثر، تقريبا، كنت أعابث د. خالد التجانى النور، رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” والسياسى النابه، قلت له ” شايفك بقيت قحاتى!!”..رد – بسخرية – ” القحاتة هم البقونى “.. فى إشارة إلى أنه، الإسلامى المعروف، وأحد مديرى مكتب الترابى السابقين، كان قد سبق “القحاتة” بسنوات فى الجهر بضرورة تغيير : الفكرة، الممارسة السياسية، إعادة ترتيب الأولويات، إلى الدرجة التى جعلته ” مفارقا للجماعة”..وخالد التجانى ليس وحيدا، إذ فعل ذلك، وسط الإسلاميين..بل سبقه كثيرون، إلى درجة أنهم يمكن أن يشكلوا – بقليل من الحنكة – تيارا أقوى من تيارات قحت (جناح الموز، جناح السفارات، جناح أم جكو)، هذا فضلا عن الإسلاميين التقليديين، مضافة إليهم (السلطات التقليدية) التى أشار إليها البحث، سابق الذكر..
    شايف كيف؟
    مهما يكن من أمر، فإن الحسابات القادمة – بالنظر إلى ما نحن فيه – تحتاج مصالحة شاملة، أهم بنودها أن تستوعب الإسلاميين، شاء من شاء، وأبى من أبى..لكن على الإسلاميين، بالمقابل، أن يعيدوا بناء أطروحاتهم، أن يراجعوا ممارساتهم، أن يقدموا اعتذارات صريحة، وصادقة للشعب السودانى عن أخطائهم القاتلة، وأن يقبلوا بالعدالة…
    ثم:
    فلينظروا أيها أزكى طعاما، وليتلطفوا، لأن زمان العنتريات قد ولى إلى غير رجعة.

  • محطات المياه بالولايات بين الضرورة التنموية والخطأ الاجرائي.

    محطات المياه بالولايات بين الضرورة التنموية والخطأ الاجرائي.

    بقلم : إبراهيم شقلاوي

    ظلت ندرة المياه أحد أهم الأسباب لاندلاع الحروب أو الهجرات من الريف للمدن مما دفع بملايين السكان الي الهجرة الي عواصم المدن التي تعتبر ملاذا امنا من تداعيات ندرة المياه والتغيرات المناخية وشح الغذاء وضعف الخدمات.. حيث أثبتت الدراسات ازدياد الهجرة من الريف للمدن نتيجة انعدام الأمن والتعليم والصحة و النزاعات المسلحة حول المرعى ووفرة المياه..

     

    بالنظر الي كردفان الكبري لاسيما ولاية غرب كردفان فقد حققت فيهامشروعات حصاد المياه استقرار مقدرا ساعد على دعم الاستقرار.. حيث نجد

    الإستزراع السمكي في سد السنوط حقق إنتاجية عالية أسهمت في تغطية إحتياجات الولاية من الاسماك بأضاف مشروع سد أبو دزة ” لعب دوراً مهماً في توفير المياه واستقرار حركة الرعاة وتنشيط الانتاج البستاني واستقراره في المنطقة. فقد تم حفر 29 بئر لتوفير المياه بالمنطقة الجنوبية بالولاية كذلك تجدر الاشارة الى ان وحدة تنفيذ السدود نفذت خلال الفترة الماضية بولاية غرب كردفان في إطار برنامج حصاد المياه وصولاً لصفرية العطش (20) محطة مياه بمحلية أبيي كما قامت بحفر 25 بئر في محليات شمال وجنوبي الولاية فضلا عن تنفيذ 22 حفير بسعات كبيرة في عدد من محليات الولاية الأخرى.

     

    اما عن شمال كردفان فقد ظل امر المياه فيها في غاية الصعوبة، وعلى الرغم من المجهودات التي بذلت خلال الحكومات السابقة الا ان حوجة الولاية متصاعدة للأمن المائي المتعلق بشرب الإنسان والحيوان حيث ظلت المياه بحاضرة الولاية الأبيض وبقية المناطق التي تعاني أزمة مياه متجددة.. على الرغم من أن الولاية بها واحد من أكبر مصادر المياه العذبة في البلاد والمتمثل في حوض بارا الجوفي لذلك ظل المجتمع هناك يعاني من تدني الخدمات، ويطالب الأهالي بالحلول الجذرية في أسرع وقت ممكن.. رغم ذلك نجد تفاقمت مشكلة المياه بسبب شح الأمطار وبعد المناطق التي نستجلب منها المياه.. هذا هو واقع الولاية وليس جنوب كردفان بأفضل حال.. هذا الواقع يجعلنا لابد أن نشير الي الخطة التي وضعتها وزارة الري والموارد المائية عبر وحدة تنفيذ السدود ضمن أولوياتها القصوى المتعلقة ببرنامج حصاد المياه وتوفيرها.. الخطة الخمسية (2016م – 2020م) التي تأثر تنفيذها بالتغيير السياسية التي تجري في البلاد لإمداد مياه الشرب الى كل ولايات السودان مستندة على قاعدة معلومات الأطلس المائي (أطلس المياه هو مسح معلوماتي جغرافي لكل البلاد رصداً لمصادر مياه الشرب (محطات نهرية، سدود، حفائر، وآبار) , تم من خلاله التعرف على مناطق الفقر المائي والمصادر المتاحة وخواص مياه الشرب بالولايات وتحديد مدى كفايتها لاستهلاك الإنسان والحيوان والتخطيط لها وفق معايير سليمة لاستخدام أمثل ومستدام… هذه الخطة بدا تفعيلها الان من جديد بعد ان تدخلت المملكة العربية السعودية بمنحة قدرت ب 500 محطة مياه جوفية بولايات السودان المختلفة أعلن ذلك المهندس مستشار محمد نور الدين المدير العام لوحدة تنفيذ السدود.. حيث تم تدشين المشروع الاسبوع الماضي بمنطقة شرق النيل قرية ود ابوصالح بولاية الخرطوم..

     

    بينما تمضي وزرة الري عبر ازراعها في تنفيذ هذه البرنامج تفاجأ المراقبون بما اعلنه المدير العام لوزارة البنية التحتية والتنمية العمرانية بولاية غرب كردفان آدم موسي يعقوب عن تصديق وزارة المالية الاتحادية للولاية بمائة وسبعين محطة مياه سيتم تحويلها للعمل بالطاقة الشمسية خلال العام الجاري..اذا ان هذا الاختصاص يقع ضمن مسؤلية وزارة الري والموارد المائية المعنية بتحديد مناطق الحوجة ووفرة المياه الجوفية من خلال الاطلس المائي.. حسنا فعلت وزارة المالية بتصديق هذا العدد من المحطات الجوفية لكن ينبغي أن يوكل امر التنفيذ لجهات الاختصاص التي تملك الخبرات الفنية والإدارية واليات التنفيذ.. فالمشروع يأتي ضمن محاربة العطش الذي افردت له خطة يجري تنفيذها الان بعد توقف.. حيث يعتبر هذا الأجرا من ضمن التحديات التي تواجه عمل وزارة الري في مجال حصاد المياه والمتمثلة في تضارب القوانين والتشريعات في تحديد إختصاصات المركز والولايات بجانب المرصد الهيدرولوجي للأودية والخيران.. لذلك ندعوا الي اهمية أحكام التنسيق وترتيب الأدوار بين المركز والولايات حتى تكون لهذه المشروعات الفائدة المرجوة فمحطات المياه في الولايات ولاية غرب كردفان مهمة وضرورية لكن لابد من عدم الوقوع في الخطأ الاجرائي الذي يجعل كثير من القرارات تواجه بضعف التنفيذ بالنظر لعدم الخبرة في المجال وغياب الخطة الاستراتيجية التي تمضي في تنفيذها الدولة لصالح المواطن في كل السودان.

     

    دمتم بخير.

  • رحلة الاطاري الى المجهول

    رحلة الاطاري الى المجهول

    رحلة الاطاري الى المجهول

    بقلم :معاذ منصور

    عجبا لهذا البلد ، يتعلق أهله بأي (قشة ) املا لخلاص نشك أنه قد يأتي لكثرة النكبات التي تلاحق أي فأل ، كمية المبادرات المطروحة منذ التغيير كفيلة بحل مشكلات كل العالم من حولنا ، نحن شعب أدمن التنظير وقبله ادمان الاختلاف ، ما رأينا ساستنا قد اجتمعوا يوما لوطن ، لا نفرق هنا بين مدني وعسكري فالكل سواء ما احسسنا يوما اننا نختلف لاجل وطن أو مواطن ، حصص ومحاصصات وسعي لاكتساب بحق أو ربما بغيره .

    اتجهنا الي اليهود قبل سعينا للتطبيع عبر نقض العقود وهي السمة الأساسية التي تميزهم عن غالب الملل والأديان ، فلم تعمر الوثيقة الدستورية – على علاتها – شهورا فنقضت ، وتدفق سيل المبادرات وانتقلنا من احتفال الى اخر دون جني ثمار ما قبله وحتى فيما يتعلق باتفاقيات الصلح بين القبائل والعشائر شرقا وغربا وجنوبا لا تمضي الا أياما وتعاود الة القتل عملها فراح على اثرها الالاف في مناطق متفرقة بين بقاع السودان .

    هلل العسكريون قبل غيرهم وكبروا بان الاطاري هو المخرج لهذه الامة من نكباتها وبدات خطة الانفاذ لدرجة ان قوي المركزي للحرية والتغيير مثلت الحاكم الفعلي للمرحلة القادمة وانها قد امتلكت تماما زمام المبادرة لدرجة ان تصريحاتها حددت من تقبل ومن ترفض قبل ان تفاجأنا تصريحات مميتة للاتفاق تصدر بين الفينة والأخرى من القيادات العسكرية بدء من القائد العام مرورا باركان حربه في اكثر من مناسبة ، وراحت كل وعود الخلاص التي قطعوها ادراج الرياح وبرقم حديثهم الدائم عن خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي جاءت زيارة وزيرة خارجية إسرائيل لتنسف ما بقي من وعود ، وما زادنا حيرة ان شيرك العسكر في هذا الاتفاق لم يصدر تصريحا بشان الزيارة وكان الامر لا يعنيه في شيء لا رفضا و لا قبولا .

    ان كانت جريمة فض الاعتصام وقتل المتظاهرين هي المبدد للثقة لدى العسكريين ، خوف الملاحقة المستقبلية ، وقد أشار قائد الدعم السريع صراحة لهذا الامر عندما قال ( كيف نمشي الثكنات وانتم تسنوا لنا السكاكين ) فان الامر بلا شك سيطول ولن نصل الى نهاياته ،ما لم يصل الجميع الى تفاهمات الى الحد الأدنى تحفظ حقوق الضحايا من جهة وتضمن مخرجا للخروج من الازمة .

    على الجميع ان يعترف ان ازمتنا قد تدولت لدرجة ربما يصعب معها الحل الداخلي ما لم يرم جميع الأطراف كل ما سبق والنظر بعين الوطن والمواطن ، ويتنصلوا عن كونهم دمى يحركها الاخر لمطامع إقليمية ودولية وليس أدل على ذلك اكثر من الوفود والمبعوثين الذي يحطوا رحالهم يوما بعد الاخر بالبلاد ، مشكلتنا يبدو انها مرهونة بالتطبيع وبالحرب الروسية الأوكرانية والصراع في الغرب الافريقي ، وحركة المواني والحرب في ليبيا وتدهور الاقتصاد المصري وكل هذه التعقيدات ترمي بظلالها على الحالة السودانية المتأزمة ، والكيس من حاول تطويع مواقفه للإفادة من هذه التعقيدات قبل السماح للاخر للاستفادة من ازماتنا .