الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

بدون زعل.. عبد الحفيظ مريود.. قف…الإشارة لا تزال حمراء

 

فى تصريح باكر – لم يأخذه أحد على محمل الجد، بالطبع – قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالى، الفريق حميدتى، وكان الجميع يضغط باتجاه أن الإسلاميين ما يزالون مطلقى السراح، “يبرطعون” يمينا وشمالا، والثورة طازحة، قد تم إنزالها من الموقد، قال :” ياخونا دايريننا نعتقل ناس المؤتمر الوطنى كلللللهم؟ دا حزب عضويتو خمسة مليون…نلقى ليهم سجون وين؟”.
الرقم غير دقيق، بالطبع..
لكن ملفات الإسلاميين (وطنى، شعبى، إصلاح الآن، إحياء وتجديد، منبر سلام عادل، إخوان مسلمون، متمردون على الأطر التنظيمية)، تفيد بأن الرقم الذى ذكره حميدتى ليس بعيدا، تماما…بالتأكيد تساقط كثيرون من “المنتفعين” من المؤتمر الوطنى، لأنه “وعاء جامع”…لكن الإسلاميين يظلون إسلاميين، إنتماء، وقادرين على إعادة تقديم أنفسهم، وهو أمر يجب ألا يستهين به أى استراتيجى.
شايف كيف؟
الأكثر حداثة، قراءة عميقة، وقدرة على التحليل، لدى الشيوعيين، بعد عبد الخالق محجوب، كان محمد إبراهيم نقد…نقد – بالتأكيد – واقع فى فخ أقل عمقا من بقية الشيوعيين..لكنه – مثلا – حين يكتب ” هوامش على وثائق تمليك الأرض”، فى كتابه ” علاقات الأرض فى السودان” يخلص إلى أنه كان ” نظاما إقطاعيا”، ذلك الذى سلكه سلاطين الفور، الفونج، العبدلاب،،بأن جعلوا “ملكية الأرض حق أصيل للسلطان، يمنحه لمن يشاء وقتما يشاء، بلا منازع”..الفخ أيديولوجى بامتياز. يجادله – بلطف، كعادته – بروفسور محمد إبراهيم أبو سليم، فى مقدمته للكتاب، مشيرا إلى “الفخ الفاغر فاه”، الذى كاد أن يقع فيه نقد..لكنه فى الواقع، وقع..إذ لا يمكن اعتبار حق السلطان فى تمليك الأرض ” الحواكير”، إقطاعا إلا بجور الإعتساف…
شايف؟
وبالتالى، سيقع جميع الشيوعيين، لأنهم أقل حساسية ونباهة من نقد، فى فخاخ قراءة وتحليل التأريخ والواقع..الركاكة الفكرية والتخبط السياسى للحزب الشيوعى، بعد سقوط الإنقاذ يثبت ذلك..فالأدوار التى لعبها الحزب فى تقويض حكومة حمدوك، تفكيك قوى الحرية والتغيير، تمكين “العسكر”، لو طلب إلى الإسلاميين أن يقوموا بها، لعجزوا…خاصة خلال السنوات الثلاث أو الأربع التى تلت سقوطهم.
الشيوعيون، البعثيون، الناصريون: من يمكن تسميتهم باليسار، “يجلون” الكرة، لا يسددون خارج المرمى، وإنما “يجلونها”، وهى ضربة جزاء..
لم تنهض التيارات العلمانية، الليبرالية، الديمقراطية من مرحلة “الحبو”، لتقف على قدميها، تمهيدا للمحاولات الإبتدائية للمشى..وهى – بكثير من التجاوز – يمكن تسميتها فى (المؤتمر السودانى + الاتحادى المعارض)..يلوح سمت خادع بأن (التحول الديمقراطى) هدف للجميع، بما فى ذلك اليسار. لكن النظرة الفاحصة تبين أنه قناع غاية فى الطرافة..ذلك أن ( التحول الديمقراطى) يستوجب قبول الجميع، والاستسلام المتصالح مع نتائج السباق فى مضمار الديمقراطية..
شايف كيف؟
يجادل أكاديميان أوربيان، ومعهم د. آدم موسى عبد الجليل، فى بحث رصين بعنوان (عودة السلطات التقليدية للحكم فى دارفور) – لم يترجم إلى العربية، بعد – بأنها – الإدارات الأهلية – التى ما فتئت تدخل فى نسق الحداثة، مطورة ذاتها، وأدواتها للإستجابة لمتطلبات الوقت، وقادرة على إحداث توازنات مهمة، ستكون لها أدوار أكثر حساسية فى المستقبل السياسى فى السودان.
ينسحب ذلك، بلا شك، إلى كل (السلطات التقليدية)..والدليل على ذلك الأدوار التى ظل يلعبها الناظر محمد الامين ترك، ومجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، منذ سقوط الإنقاذ..وهى – السلطات التقليدية هذه – ليست ضمن حسابات وقراءات وأنظمة تفكير اليسار والليبراليين، ولجان المقاومة، ومجموعات الشباب..وبالتالى ستظل سندا محتملا للإسلاميين، لأنهم – من وقت مبكر – استطاعوا استيعابها، أو جزء كبير منها، كما فعلوا مع التيارات الصوفية…
إلى أين يقودنا ذلك؟
يقود إلى ضرورة إعادة التعامل الحكيم، وبنظر ثاقب، مع معطيات الواقع السياسى، وإعادة الإعتبار للقوى المؤثرة، بدلا عن محاولات القفز عليها، والتذاكى الأحمق، أو تصفية الحسابات..
قبل سنتين، أو أكثر، تقريبا، كنت أعابث د. خالد التجانى النور، رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” والسياسى النابه، قلت له ” شايفك بقيت قحاتى!!”..رد – بسخرية – ” القحاتة هم البقونى “.. فى إشارة إلى أنه، الإسلامى المعروف، وأحد مديرى مكتب الترابى السابقين، كان قد سبق “القحاتة” بسنوات فى الجهر بضرورة تغيير : الفكرة، الممارسة السياسية، إعادة ترتيب الأولويات، إلى الدرجة التى جعلته ” مفارقا للجماعة”..وخالد التجانى ليس وحيدا، إذ فعل ذلك، وسط الإسلاميين..بل سبقه كثيرون، إلى درجة أنهم يمكن أن يشكلوا – بقليل من الحنكة – تيارا أقوى من تيارات قحت (جناح الموز، جناح السفارات، جناح أم جكو)، هذا فضلا عن الإسلاميين التقليديين، مضافة إليهم (السلطات التقليدية) التى أشار إليها البحث، سابق الذكر..
شايف كيف؟
مهما يكن من أمر، فإن الحسابات القادمة – بالنظر إلى ما نحن فيه – تحتاج مصالحة شاملة، أهم بنودها أن تستوعب الإسلاميين، شاء من شاء، وأبى من أبى..لكن على الإسلاميين، بالمقابل، أن يعيدوا بناء أطروحاتهم، أن يراجعوا ممارساتهم، أن يقدموا اعتذارات صريحة، وصادقة للشعب السودانى عن أخطائهم القاتلة، وأن يقبلوا بالعدالة…
ثم:
فلينظروا أيها أزكى طعاما، وليتلطفوا، لأن زمان العنتريات قد ولى إلى غير رجعة.

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)