السعودية مؤهلة لرعاية (طائف) سوداني جديد
فنجان الصباح
احمد عبد الوهاب
مر علينا في السودان حين من الدهر كان أهل بلادي من رسميين وشعبيين لا يكفون عن لوم الأخوة العرب وتقريعهم، لأنهم – برأيهم – كانوا بعيدين كل البعد عن الشأن السوداني في حربه وسلامه.. وكأن أمره لا يعنيهم من قريب أو بعيد..
ثم ترانا وقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر يوجه بعضنا سهام نقدهم لما يرونه تدخلا لسفارات بعض الدول العربية في الشؤون الداخلية للسودان.. بينما ينظرون في الوقت ذاته بعين الرضا للتدخلات الغربية وهي تتسوق في المشكل السوداني بالجملة والقطاعي..
ولو أن اخوتنا العرب نأوا بأنفسهم من خصامنا ولطامنا، وظلوا بعيدين من الملف السوداني لألهبنا ظهورهم بسياط النقد واللوم والتقريع.. وياله من وضع محير.. فبأي معيار تقاس الأمور في بلادي..
لقد كان لمواقف الدول العربية من حروبنا الأهلية والعبثية في الحالتين مايبررها، كانت مواقف حكيمة إلى حد كبير.. عندما احتفظت لنفسها بمسافة من كافة الفرقاء لتمنح نفسها مستقبلا فرصة الوساطة، وتليين المواقف ورعاية المصالحات وصولا للحل النهائي..
وإذا أخذنا المملكة العربية السعودية – انموذجا – فإنها كانت قريبة دوما من السودان بقلبها وجيبها و(قدحها وملاحها) كما يحلو للطيب صالح ان يقول.. كانت تكثر عند الفزع وتقل عند الطمع.. وكانت على الموعد مع كل تغيير يحدث في الخرطوم، ثورة كان أم انتفاضة.. والانتفاضات والثورات في بلادنا أكثر من اعاصير الصيف السوداني الملتهب..
كان الدعم السعودي حاضرا ومبادرا طيلة عهد النميري.. وتواصل أكثر في عهد سوار الذهب – له الرحمة- وقد كان المشير يذكر السعودية بالخير ويحفظ للملك فهد طيب الله ثراه وحكومته اياد بيضاء لا تحصى و جمائل لا تنسى ومنها أن موفدا سعوديا رفيعا وصل في نفس يوم الانتفاضة في السادس من ابريل ١٩٨٥م.. يحمل تحيات وتهاني خادم الحرمين ويقول للمشير هاتوا طلباتكم وكافة احتياجاتكم.. فطلباتكم كلها مجابة..
وهكذا تدفق العون السعودي مدرارا.. أوله في ميناء بورسودان وآخره في ميناء جدة الإسلامي .. وظل الدعم متواصلا في كافة الحقب الحزبية والشمولية..
وبتفجر ثورة ديسمبر كانت حاجة بلادنا إلى نضج سياسي وعون فني وإلى رجال دولة محترفين أكثر من حاجتنا إلى نفط وقمح وعملات حرة..
وهي فترة حرجة احتاج فيها السودان إلى مشورة الاخوة العرب والاخذ برأيهم .. والنصح أغلى مايباع ويوهب..
كانت تعقيدات الأزمة السودانية أكبر من طاقة رجالات الأحزاب وأهل السياسة على احتواء امتداداتها وتفكيك تعقيداتها والاحاطة بتشابكاتها..
وقد كانت المملكة كالعهد بها حاضرة وصاحية ومبادرة.. وكانت جهود سفارة خادم الحرمين الشريفين بالخرطوم عبر سفيرها علي بن حسن جعفر.. وحضوره الدائم في المشهد السوداني كاف في الدلالة على مكانة السودان لدى المملكة، والاهمية الكبيرة التي توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الامين لكافة الجهود السلمية عبر الرباعية وغيرها أملا بالوصول بالقضية السودانية إلى بر الأمان واجتماع أهله على كلمة سواء.. وفي يقين أهل السودان وعقولهم قناعة مستقرة وتفاؤل كبير بأن بامكان المملكة ألوصول بالأزمة السودانية إلى (طائف) ثان..
فمهما بلغت الأزمة السودانية من الصعوبة والخطورة والتعقيد.. فلن تصل إلى مستوى الحالة اللبنانية إبان الحرب الأهلية ( ١٩٧٤- ١٩٩٠) والتي انطفأت نيرانها وخمد دخانها بموجب مقررات مؤتمر الطائف.. بعد أكثر من عقد ونصف من الصراع الدامي والاقتتال الطائفي ، والتصفيات الجسدية، والقتل على الهوية..
دفع فيها لبنان فاتورة باهظة لحروب الآخرين على ترابه بالأصالة أو بالوكالة..
ان الملف السوداني بحمد الله تعالى رغم مابه من وعورة وخطورة الا انه لم يصل إلى ماوصلت اليه لبنان انذاك..
وان الحضور الدائم لسفير خادم الحرمين في أفراح أهل السودان وأتراحهم.. وجهوده المحمومة واحاطته بتفاصيل خلافات الفرقاء واطمئنانهم اليه يمنحه حق الوساطة المقبولة من الجميع.. ورعاية جودية دبلوماسية وبالمقابل يمنح اهل السودان من بدو وحاضرة الأمل والفأل الحسن بأن الحل وإن طال المدى رهين مبادرة سعودية ورهن إشارة (طائف سوداني).. يحل المشبوك،
ويطامن الوضع المربوك..
وإلى ذلك الحين.. نبارك لسعادة علي بن حسن جعفر سفير المملكة جهوده المبرورة وحضوره الأغر المحجل.. آملين أن ترسو معه سفينة البلاد على مرفأ آمن سعيد و (طائف سوداني) جديد.. يحقق السلام وتضع معه حروب اللطام والخصام والكلام أوزارها.. ويطوي به السودان صفحات الخلاف، وسنوات العنف العجاف.. ويستهل عهدا من التعمير والتنمية.. تحقق به شعار السودان (سلة غذاء العالم)..
وليس ذلك على الله بعزيز..
ونقول لسعادة السفير. كثف ماشئت من وجودك وعزز ماشئت من جهودك. فمامن أحد- دولة أو جماعة- إلا وهو في حاجة إلى عون الاشقاء و دعم الأصدقاء .. وفي مقدمة هؤلاء وأولئك المملكة العربية السعودية بدعمها وعونها ووزنها ووقوفها مع بلادنا في كل المحافل..
سعادة السفير دونك الساحة السياسية والإجتماعية ..
ولو قدر لهم ان يتحدثوا بلسان واحد لقالوا لك مثل ما قال أبو آمنة حامد قبل ٦٠ عاما.. ( أنت ياجعفر في أرضي هنا، لست بالضيف ولا المغترب)..
فاذهب حيث شئت.. في السودان وحيثما طاب لك الحل والترحال..
فكل أرجائه لكم وطن
إذ نباهي بكم ونفتخر
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط