الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

القطينة بلد “العالِم محجوب عبيد” المنسية !!

 

📘قيد في دفتر الأحوال

 

تقع محلية القطينة جنوب العاصمة الخرطوم ، بحوالي مائة كيلو متر تقريبا ، تأسست هذه المنطقة قبل فترة الحكم التركي ، كانت بداية تأسيسها الهجرة بالمراكب الشراعية على النيل ، وهدوء المنطقة وجمالها، أجبر العابرون بتلك المراكب على النزول والإستقرار فيها لتعميرها ، ثم توافد الناس عليها من كل صوب لِما فيها من خيرات كثيرة في ذلك الزمان التليد . وفد الناس إليها بالمقومات الأساسية للحضارة الإسلامية وأنشأوا الخلاوي ، وأدخلوا وسائل الري الجديدة على تلك المناطق ، مثل الساقية والشادوف وزراعة الجُزر والجروف ، وعمروا الأرض ، حتى صارت خضراء ، وأُطلق عليها في ذلك الزمان (جنّة بلال) لِما كانت تتمتّع به من خضرة وجمال لا يُوصف ! ، ومن طول شاطئ النيل الأبيض الذي يتميّز برماله البيضاء الناعمة ، وضحالة النيل على الساحل ، مما جعله موقعاً سياحياً ساحراً ، يميّزه النسيم العليل، والشمس الدافئة، والماء النقي للنيل الأبيض الذي يخلو من أي ملوثات ، وانعدام الطمى والعكر ، وبطء اندفاع التيار وانسيابه وهدؤه ، حتّى تصدّرت أغنية الحقيبة المشهورة الأغاني في ذلك الزمان :

 

جبل أولِى حبيبي غِشا

وحصّل في القطينة عِشا

 

هذه الطبيعة الجميلة الساحرة، وهؤلاء السكان المتحضّرين خلقوا أرضية صالحة خصبة لنشر التعليم والوعي والتقدم ، فكانت القطينة من المدن رائدة التعليم النظامي في السودان ، حيث أُسِّست أول مدرسة في العام 1902، في عهد الإستعمار الإنجليزي، وأظنها تحمل الآن إسم مدرسة علي بن أبي طالب الأساسية للبنين ، ثم تأسست مدرسة القطينة المتوسطة الأميرية في العام 1960، ومدرسة القطينة الثانوية في العام 1970.

 

شعب بهذا الوعي والتحضُّر كان بديهياً أن يخرج من صلبه الرجال الأفذاذ “الشُّطّار” الذين كانوا في قيادة السودان وشاركوا في تأسيس بنيته التحتية بكل تجرد وإخلاص ونكران ذات ، ولا يسع المجال لحصرهم وذكرهم . وشعب بهذا الفهم الراقي كان لابد أن يصدِّر للعالم كبار العلماء ، فكان العالِم الفيزيائي الدكتور (محجوب عبيد طه) ، الذي ولد بالقطينة في العام 1937.

 

تحصّل هذا العالم الجليل رحمه الله، على بكالريوس العلوم بمرتبة الشرف الأولى من جامعة درهام ببريطانيا 1964، دكتوراة في الفيزياء من جامعة كامبردج بريطانيا 1967، عُيِّن عميداً لكلية العلوم بجامعة الخرطوم في العام 1974، نال العديد من الدراسات والتخصصات حتى تم تعيينه زميلاً أولاً بالمركز العالمي للفيزياء ، قدم أول تعميم نسبوي بالإنجليزية لمعادلات فادييف، قدّم أول طريقة رياضية في العالم سميت بطريقة “طه” (. Taha. Mthod) والعديد من الإكتشافات في التفاعلات الكهرومغناطيسية التي مازال علماء الذرة في العالم يهتدون بها ، حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الفيزياء ، يُعد من أكبر علماء “الذّرّة” في العالم.

 

القطينة ، بلد بهذا الحجم من الوعي والحضارة والإدراك ، ونجابة الأبناء المتفوقين الأذكياء ، مثلها ومثل أي حضارة يُعتز بها في السودان ، للأسف تسود ثم تُباد ، وللأسف من يبيدها هو الحكومات ! … نعم أهملت الحكومات المتعاقبة القطينة التي كانت يوماً ما (جنّة بلال)، حتى أمسى أهلها يسخر من حال مدينتهم بأنها (الجنّنت بلال) من كثرة إهمال الحكومات لها ! ، من سوء الخدمات وندرتها في أغلب الأحيان ، ومن حصار الزحف الصحراوي لها حتى تساوت الكثبان الرملية مع سقوف المنازل ، مما اضطر معظم السكان لهجرتها والإقامة بالعاصمة والولايات المجاورة ، وأمست جنة بلال المدينة الخالية ، إلا من الرمال وأشجار المسكيت البائسة ونازحون يقيمون هنا وهناك .

 

القطينة مدينتي التي كم أحببتها، عندما ساقتني كشوفة التنقلات لأعمل رئيساً لقسم الشرطة فيها ، وأشارك في تأسيس رئاسة شرطة محليتها ، وفي تأهيل استادها الرياضي .

 

أمس تنقل أخبارها المؤسفة عبر وكالة سونا وتجيئ كالآتي (قالت حكومة النيل الأبيض أنّ محلية القطينة أصبحت معبر وسوق للمخدرات الداخلة للخرطوم والجزيرة بالإضافة لعبور السموم الكيميائية الخارجة من الخرطوم لبقية الولايات الأخرى)!، ويضيف الخبر (قال المدير التنفيذي لمحلية القطينة، رئيس لجنة أمن المحلية ناصر الأغبش ل”سونا” أنّ محلية القطينة تعاني من مشاكل أمنية دخيلة على المجتمع متمثلة في خطر المخدرات بحكم موقع المحلية الجغرافي وقربها من الخرطوم) !.

 

في القطينة ، زحف صحراوي إقتحم المنازل وعمي عيون الحرائر ، غابات من المسكيت أمست أوكاراً للجريمة وتفشِّي الظواهر السالبة والرزيلة، خدمات صحية وتعليمية رديئة، وتكاد تكون معدومة في معظم الأحياء ، وجوه بائسة كالحة يهددها الفقر ، إهمال في كل شيئ ، حتى أن ريفي القطينة أمسي لا يتحرّج أن يسمى قرية من إحدى قراه (جراب يابس)!.. أي والله !، ولو لا وقوعها بين النيل الأبيض والطريق القومي، لكانت القطينة صاحبة الذكرى المنسية !

 

وآخر التقليعات وليزداد الطين بلة !… تبشِّرنا حكومة النيل الأبيض بأنّ محلية القطينة أصبحت سوق للمخدرات !، ويبشرنا مديرها التنفيذي ، بأنّ القطينة تعاني من مشاكل أمنية دخيلة على المجتمع !!

 

القطينة الزحف من خلفها ، والمسكيت من يمينها ، وسوء الخدمات من شمالها.. والآن المخدرات من أمامها !!

 

حكومة النيل الأبيض ، ومدير تنفيذي القطينة ، قد بشّرتم أهل القطينة بكل ذلك !.. فماذا بقى من بشراكم ؟!…وماذا أنتم فاعلون؟!…وبم تبشِّرون؟! ، وهل بعد كل ذلك مازلتم تؤمّلون بأنكم على كراسي السلطة قاعدون؟!

 

هل عجزتم عن وقف الزحف الصحراوي بإقامة حزام أخضر وسقياه من النيل الذي على مرمي حجر؟!، هل عجزتم عن رفع القمامة التي تزكم الأنوف، وفي وسط السوق وداخل المحلية ؟!، وعن توفير أبسط الخدمات الطبية لأقدم مستشفى، يقدِّم خدماته للمدينة والريف وروّاد الطريق القومي في حالة حوادث المرور؟!، وهل عجزتم عن وضع نقاط تفتيش في مداخل ومخارج القطينة لمنع دخول أي مخدرات ؟! ، وهل تبلّد إحساس شرطة المحلية بعدم إلحاق فرعية مباحث فدرالية وشعبة مخدرات “لتشوف شغلها” وتحمي هذه المدينة المظلومة المقهورة ؟!… أم أنّ حكومة الولاية بإعلانها الواضح الصريح هذا ، وعدم وضع الحلول ، تريد أن تقول لمابقى من ساكني القطينة :

 

“أدّونا عرض اكتافكم وارحلوا، والحقوا أسلافكم “؟!.

 

حسبنا الله ونعم الوكيل

 

ورحمك الله جنّة بلال أرض مصنع القادة والعلماء والرجال

 

لواء شرطة م

عثمان صديق البدوي

9مارس 2023

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)