الخرطوم حديقة النجوم وعنقاء الحضارات!!
فنجان الصباح
احمد عبدالوهاب
…………………………..
مدخل
“تفسير حلمي بالجزيرة وقفتي بالمقرن
حلمان حظهما خيال دون حظ الأعين
مادمت بينهما فما أنا سائل عن مسكني
ياجيرة النيل المبارك
كل نيل موطني”
” العقاد”
مدخل ثان
” هما نهران في مجرى
تبارك ذلك المجرى
فهذا الأزرق العاتي
تدفق خالدا حرا
وذاك الأبيض الهادي
يضم الأزرق الصدرا
ولاهذي ولا تلك
ولا الدنيا بما فيها
تساوي ملتقى النيلين
في الخرطوم ياسمرا”
في بدايات الحكم التركي يكتب الرحالة بيكر عن الخرطوم العامرة الطافرة والتي استاثرت بالسهرة والتجارة، وصارت تستقبل القوافل التجارية المنحدرة من وإلى النيل.. وليس لها في الاقليم كله مثيل سوى زنجبار على المحيط الهندي..
وكيف أن الخرطوم كانت تعج بالممثليات والقنصليات الاوربية، تستقبل وتودع كل يوم وفودا من الرحالة والسياح، وانها كانت تنمو بطريقة سريعة وجامحة..
وعن روعة الخرطوم في جمال معمارها و حسن تخطيطها ونظامها.. يكتب مثقف مصري رحالة متحدثا عن الحدائق الجميلة ، والمقاهي التي تقدم أفضل الخدمات والمشاريب.. والشوارع الواسعة المفروشة المرشوشة والتي لاتقل روعة عن شارع محمد علي بالقاهرة.. وانها برأيه أفضل العواصم والمدن على الإطلاق جنوبي الصحراء..
قبل عام تقريبا دعيت إلى فعالية عاصمية تبحث في أنجع السبل لتمويل مشروعات البنية التحتية للولاية.. وكانت هنالك أوراق علمية ممتازة .. ولكن كانت أميزها ورقة علمية جادة ورائدة قدمها الدكتور م م الخلوتي الشريف عن ( تمويل المشروعات عبر أنظمة البوت).. كانت فتحا كبيرا ونافذة مضيئة، فتحت عين الولاية وشهيتها للدخول بقوة وجسارة إلى عالم ( انظمة البوت).. ومعبدة الطريق لنفسها وللسودان استراتيجية للخروج من النفق واجتياز عنق الزجاجة..
واليوم.. وفي خطوة جبارة تعقد الخرطوم مؤتمرا محضورا ومحفلا مشهودا لتنمية وتطوير الولاية.. تحت شعار ( معا لنهضة العاصمة).. احتشد له عدد كبير من الخبراء في شتى المجالات.. ورصدت له أوراق علمية عديدة.. هي عصارات تجارب علمية وعملية لا يستهان بها.. ورحيقا وخلاصات لتكامل الجهدين الأكاديمي والحقلى.. تستحق الاحترام..
وأكرم بها من خطوة مباركة مزجت بين مداد العلماء وعرق العاملين..
ان للخرطوم في عنق كل سوداني حر، يد سلفت ودين مستحق.. وان نهضة العاصمة من كبوتها وعودتها إلى سابق عهدها وعظيم عزها ومجدها، مسؤولية الجميع..
فلن يتطور بلد ما لم تتطور عاصمته ولن يتقدم السودان مالم تكن له ولاية قاطرة.. وعاصمة انموذج.. تكسر قيد الحصار الثقيل وانحسار التماويل، وتتمرد على كافة المعوقات والمثبطات وانتظار المعجزات.
إنني أحيي عزيمة حكومة الولاية التي ترى دوما ضوءا ساطعا في نهاية النفق.. وتحلم بحقل من الفل والياسمين في قلب العتمور..
وصدق من قال “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ”
لم يمنع الولاية – وهي سودان مصغر – بؤس الحاضر عن استشراف المستقبل، ولم يثنها عجز ولا مسغبة عن القفز فوق العوائق ، ولم يكبل خطوها في السير نحو أهدافها المنشودة طول المسير وانعدام النصير..
ان بلادنا عامة و ولاية الخرطوم بخاصة في حاجة إلى حكام من أهل العزائم ، من أولئك النفر القادرين على تحويل الهزائم إلى ملاحم.. والحرائق إلى حدائق..
ان الخرطوم – لحسن الحظ – ليست كبقية العواصم في نسخ شرقية أو طبعات غربية، ليست مضطرة أن تبدأ من الصفر، ولا أن تخطط لبدايات جديدة .. انها مثل أي جزيرة في النيل لا تحتاج إلى أكثر من فيضان يجود بالخصب والطمي على الجروف والشطآن.. لينشر الخير والخضرة والرخاء.
وهي ايضا مثل سهل البطانة يكفيها خريف وريف.. لكي ينبت الزرع ويمتلئ الضرع.. وتفيض من ثم على السودان عطاء وسخاء وبركة..
ومع الشاعر( البياتي) ننشد
(طفلة أنتي وأنثى واعدة
ولدت من زبد النهر، ومن نار الشموس الخالدة
كلما ماتت بعصر، بعثت
قامت من الموت وعادت للظهور
أنت عنقاء الحضارات
في كل العصور..)
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط