الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

من يعالج المرضى الفقراء والمساكين من بعدك يا عبد السلام !

 

بقلم :جعفر عبد المطلب

في الرحيل المفاجىء للصديق والصهر إستشاري الباطنية النابه ( عبد السلام محمد عثمان) اقول :

لاحول ولا قوة إلا بالله ، كل نفس ذائقة الموت، وكل إبن آدم وإن طالت سلامته على آلة حدباء محمول ، إنها الآجال التي تأتي في مواقيتها المدونة في اللوح المحفوظ ،دون تأخير او تقديم ، كل هذا نعرفه ونحفظه عن ظهر قلب نتيجة إيمان راسخ ومتجذر ، ولكن موت دكتور عبد السلام الصادم والمباغت وهو في احسن حالاته الصحية ” شيتا كتر “! فوق قدرتنا علي الصبر او الإحتمال !
منتصف نهار رمضان في تورنتو وانا في حالة إغفاءة الصائم، ياتيني صوت الصديق المهندس معاوية عبد الرحمن حاسرا وملتاعا ليقول لي
” ياجعفر دكتور عبد السلام مات فجاة اثناء عمله ”
يا الهي ما باله هذا التلفون لاينفك يفجعني ، المرة تلو الاخري ! تذكرت تلفون شقيقي ازهري المتقطع متعثرا ليقول لي ” يا جعفر حمودة مات في مكة ” هكذا تتكوم الصدمات فوق الهجمات وينفطر القلب ويتقطع في كل مرة مع تلفونات ماوراء البحار و فوق القارات وانت في الاقاصي البعيدة حيث لا اهل تتقاسم معهم حمولة الصدمة الثقيلة التي تقصم الظهر او تلقي بها فوقهم جميعا بالتساوي عند تشييع الجثمان و في فراش البكا !
هل ياترى في مقدوري ان اتحدث عن هذا الطبيب الإنسان ” طبيب الفقراء والمساكين المعدمين وابناء السبيل ” !
ليس هذا قول علي عواهنه ولكن توصيف دقيق لحالة عبد السلام الطبيب الانسان الذي يعرفه مرضى الأحياء الشعبية في الديوم الشرقية والسجانة والصحافة واركويت والمعمورة والازهري ، في هذا الزمن الغيهب الذي اصبحت الخدمات الطبية عند الكثير من الاطباء “بيزنس ” باهظة كلفتها ! حتي بلغ الحال لدى بعض المستشفيات ان درجت تطالب مرضاها بسداد “التأمين ” قبل إجراءات تسجيل دخول المريض للمستشفي ! وكثيرا ما تصل قيمة التأمين مبالغ خرافية فوق طاقة حتى المريض الميسور !
بينما دكتور عبد السلام وهو إستشاري الباطنية “الشاطر ” صاحب اليد المبروكة كما يصفه مرضاه، يقدم معرفته في الطب، وخبرته الطويلة وبراعته المشهودة، ونباهته التي كانت محل إحترام زملاءه ومرضاه يقدمها بالمجان لاهله وغير اهله ومعارفه واهليهم وزملاءه واهليهم وجيرانه واصدقاءه واهليهم وغيرهم من سائر الفقراء والمساكين جميعا – اللافت في هذا البحر المتلاطم إنسانيا ،كان عبد السلام يجوب كل هذه الاحياء بسيارته دون كلل او ملل، بل كان سعيدا وراضيا تمام الرضا بما يفعل ، لاول مرة يعرف الناس ان هناك طبيبا يعالجهم بالمجان وياتيهم حتي بيوتهم، حتي لايتكبدوا كلفة المواصلات من اجل الوصول الي عيادته ! اليس هذا انسانا يبكي علي موته المباغت الناس كل الناس صغيرا وكبيرا ! لابد من الإشارة الي احد مواقف الإنسانية إذ حدث ان اصاب شقيقي عبد الله” فايروس مجهول الهوية ” اعيى الاطباء واعجزهم تشخيصه ،حتى قلقت قلقا شديدا ، فسالته لماذا لم تتصل بدكتور عبد السلام ! فقال افتكرته مايزال في القاهرة ! فاتصلت به من تورنتو وقال عاتبا لماذا لم يتصل بي عبد الله؟ فقلت له كان يعتقد انك في القاهرة اشهد الله بعد اقل من ساعة كان امام بيت عبد الله في أركويت وهو يسكن المعمورة ومعه سعاد طمبل زوجته اتصلت اطمئن علي حالة عبد الله فقال لي دكتور عبد السلام وزوجه سعاد معنا في البيت ! ما ان عاد ادراجه من اركويت حتي اتصل بي واعطاني تقريرا مفصلا وشخص الحالة وتعرف علي السبب وطلب تحاليل وبعدها شفي عبد الله شفاء مبرما بفضل الله ومهارة دكتور عبد السلام المعهودة .مئات القصص والمواقف المماثلة يحكيها المرضى عن بركات دكتور عبد السلام وعلاجه السحري ! كثيرا ما كانت تطلبه المستشفيات السعودية التي كان يعمل فيها سابقا ، ما ان يصل ويمضي شهرا وبعض شهر فيعود ادراجه الى الوطن و الي عيادته ومستشفى شرق النيل ، فيساله الناس لماذا رجعت ! فيقول من يعالج هؤلاء المساكين هنا في السودان ! لله درك با عبد السلام من طبيب انسان ، رحيم باهله ،عطوف عليهم .
اما عن عبد السلام الوطني الغيور والثائر الجسور، فهل ياترى يسع هذا الحيز المحدود من هذه المرثيةا للحديث عن المناضل عبد السلام ! إنما ساترك ذلك للقروبات العديدة التي كان يسودها بمداده الشجاع والجسور منها على سبيل المثال لا الحصر : “الإستنارة “و “منتدي الزمن السمح ” وقروبات أخري تخص زملاءه الاطباء واهله واسرته وغيرها ، كلها تشهد بصولات وجولات دكتور عبد السلام في السياسة والدفاع عن الثورة ومناهضة إنقلاب اللجنة الامنية،.رغم ان الموت حق والاجل محتوم ولكن ربما كان الإنحطاط الذي يرخي بسدوله علي الوطن برمته وانعكاس ذلك علي اصحاب الحساسية الوطنية المرهفة ذو صلة بهذه الذبحة المباغتة والله اعلم ! اللهم ببركة هذا الشهر الكريم وسده مكانا وثيرا في الجنة بما قدمه من اعمال الخير في سبيل الله والوطن والمجتمع والمرضى وتول المفجوعين في فقده بجميل الصبر وحسن العزاء .
التعازي الحارة للاسرة المكلومة والمصدومة في موت الفجاءة ،ارمتله سعاد وابناؤه الاطباء الثلاثة غازي وغسان واحمد الذي حضر زواجه في الامارات قبل شهر وشقيقتهم دكتورة إباء واشقاءه وشقيقاته واصهاره عثمان طمبل وعبد الحميد وميرغني وعلوية وافراد اسرتها ومعاوية عبد الرحمن ونوال وعموم آل التوم وصديقه وجاره الاخ سيداحمد الخضر وزوجه نوال وزملاءه الاطباء واصدقاءه وجيرانه واسرة مستسفى شرق النيل ومرضاه الذين سيذوقون طعم اليتم جراء غياب العلاج المجاني بعد غيابه المفاجىء !

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)