الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

٦ أبريل .. أضاعوه، وأي فتى أضاعوا !!!!

 

 

 

فنجان الصباح

احمد عبدالوهاب

…………………………

“بعض الصراعات تبدو مثل رقصة التانغو بين الهياكل العظمية”
“الفيلسوف الفرنسي ميشال اونفري”
جاءت ثورة مايو بعباءة حمراء وشعارات يسارية، ودعم شيوعي مفضوح.. ولم تمر أعوام قليلة حتى كان النميري قد أدار ظهره للكرملين.. كسر عنق الحزب الشيوعي وقصم ظهر حزب الأمة وقتل زعيم الأنصار .. وأوقف تمرد الانيانيا (ون) باتفاقية أديس ابابا..
وبعد أول عملية (ذراع طويلة) لتحالف المعارضة ( الوطنية) وعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية.. أقام النميري المصالحة الوطنية الشاملة .. التقى الصادق المهدي زعيم المعارضة في بورسودان، واستقبله في الخرطوم.. ولكن لم يقطف ثمار المصالحة سوى الترابي..
عبدت مايو الطرق وبنت المشافي والجامعات، وأقامت بنيات أساسية ومشروعات تنموية.. وأطلقت مشروع الاسلمة، و قادت مبادرة القيادة الرشيدة.. امر النميري معاونيه بالتدين والاقلاع عن الكبائر بداية بأم الكبائر.. وهكذا تم إعلان تشريعات سبتمبر أو (قوانين ذي الحجة) بتوصيف جماعة أنصار السنة.. واغلقت الحانات والملاهي الليلية.. ولم تكن قد اوصدت أبوابها منذ سقوط الخرطوم..
بإعلانه تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية أرضى النميري ربه، غير آبه بما أثاره عليه ذلك من غضب العرب، وعداء الغرب..
وأكمل بناء مسجد النيلين على عجل رغم نصيحة من درويش متجول همس في أذنه في منعطف السبعينات.. ” ستكمل مايو أيامها عندما يكتمل هذا الصرح الإسلامي الجميل”..
في الهزيع الأخير من عمر مايو طبق النميري قوانين الشريعة، وطبع صورته على الجنيه، وشنق زعيم الفكرة الجمهورية، وعبأ سجن كوبر بخصومه السياسيين، وبحلفائه الإسلاميين .. ومضى إلى امريكا مستشفيا..
وكانت الجماهير المثقلة بالايدولوجيا والأناشيد والشعارات.. قد سبقت النميري للشوارع، كسرت الجموع حاجز الخوف، وخرجت تطلب تغييرا من أي نوع، وبأي ثمن..
ولما كان المشير عائدة يتعافى، كان نظامه يحتضر.. وقبل أن تهبط طائرته في مطار القاهرة كانت مايو في ذمة التاريخ..
أجبر قادة الوحدات العسكرية قائد الجيش المشير سوار الذهب على إطاحة النميري..
وكان المشير قد سبق البشير إلى خطأ مميت.. كلاهما أستبدل رفقاء سلاحه القدامى بقادمين جدد .. وجاء لكابينة القيادة بوزراء ومعاونين فيهم من يماثل (طه عثمان) ومنهم من يشابه (صلاح قوش) كوقع الحافر على الحافر.. وكان أبو القاسم ابراهيم نسخة بالكربون من بكري حسن صالح ..
استقبلت القاهرة المشير بدون بساط أحمر، وضمنت له منفى اختياري..
و بعد انقضاء فترة انتقالية قصيرة وانتخابات شرسة تداولت الحكم عدة حكومات. حزبية. كانت عبارة عن نسخ سابقة لحكومات ( قحت) اللاحقة، بيد أنها كانت منتخبة..
وزادت حكومات الائتلاف والمحاصصات الحزبية الطين بلة، والاقتصاد تدهورا والأوضاع سوءا، وفسادا.. ولم يشابه سهولة وسرعة سقوط حكومات( الصادق المهدي) سوى تساقط المدن والحاميات أمام زحف الكولونيل قرنق بالجنوب..
ويوم عزفت المارشات العسكرية لحن الوداع للديمقراطية الثالثة، كانت تخط أول سطر في كتاب الديكتاتورية الثالثة..
ومضى قادة الأحزاب إلى السجون أو المنافي.. اختار بعضهم زمالة النميري في منفاه بالقاهرة..
واحتار من وصل اسمرا في خلطة تمزج الجهاد المدني بالعمل العسكري.. وكان لسان حالهم يقول ( بكل تداوينا.. فلم يشف ما بنا)..
ثم عاد النميري محمولا على الأعناق .. وقضي نحبه محمولا علي الأعناق أيضا..
مات طاهر الاثواب، لم يدنس عرضه بجريمة، ولم يلوث سيرته بعمالة، ولا جيبه بمال حرام..
وأكرمت الانقاذ وفادة المشير حيا وميتا.. اقامت له ضريحا كالصالحين، بعد جنازة مهيبة تليق بجنرال ( كارب قاشو) شديد البأس وزعيم صعب المراس كسب رضا العسكر ، وحصد حب الناس.. ناس كانوا قد اسمعوه ماقالوه للفريق عبود ( ضيعناك.. وضعنا وراك)..
أضاعوه.. وأي فتي أضاعوا..

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)