*أولويات البرهان المقلوبة*
إبراهيم عيسى هدل
hadalcom@hotmail.com
يحرص الجنرال عبدالفتاح البرهان على تلميع صورته الزاهية بالخارج بالتماهي مع أجندات القوى العظمى المهيمنة أكثر من حرصه على تنفيذ الأجندة الوطنية الملحة وتلبية متطلبات تأمين البلاد وحمايتها من التدخلات الإقليمية والدولية السافرة وصونها من المهددات الوجودية القائمة في ظروف الحرب التي اشعلتها مليشيات الدعم السريع المتمردة ضد الدولة بدعم لوجستي ومالي وسياسي وإعلامي من المحور الإقليمي الذي تقوده دويلة المؤامرات العربية في سبيل استيطان عرب دول الساحل والصحراء الأفريقية وتنصيبهم حكاماً على الخرطوم.
تبدو أولويات الجنرال البرهان مقلوبة وتجده أكثر تمهلاً بشأن تشكيل حكومة طوارئ من كفاءات وطنية مستقلة تدير دولاب الدولة خلال فترة الحرب وتنعش مؤسساتها المتعطلة التي كان أغلبها خارج نطاق الخدمة وبقي بعضها الآخر يعمل بنسب أداء متدنية جداً طوال أشهر وكأنما يريد البرهان رهن البلاد ومعاش السودانيين لإرادته وتحت إدارة موظفيه مزدوجي الولاء بين الدولة والمتمردين، وقد تبين ذلك من مناصرة بعض أعضاء مجلس السيادة الانتقالي وبعض الوزراء والولاة للمتمردين تحت مزاعم الحياد بين الجيش والجنجويد وذلك قبل أن يقيلهم البرهان من مناصبهم الدستورية بعد مضي أكثر من ستة أشهر على التمرد!!
هناك خلل كبير في الأداء السياسي والاقتصادي والإعلامي والخدمي لحكومة تسيير الأعمال التي عينها البرهان من وكلاء الوزرات بعد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وتم تعيين أمين عام مجلس الوزراء رئيساً مكلفاً للوزراء، وبقي الشعب السوداني منتظراً تعيين رئيس للحكومة منذ استقالة د. عبدالله حمدوك في ٢ يناير ٢٠٢٢م، وأظهرت التكهنات الصحفية والترشيحات على وسائل التواصل الاجتماعي عدد من الأسماء اللامعة من سياسيين وتكنوقراط أمثال” د. هنود ابيا كدوف، د. كامل إدريس، د. الوليد آدم موسى مادبو، د. مضوي الترابي، د. محمد حسين سليمان أبوصالح” وغيرهم من الكفاءات المشهود لها بالخبرة وقدم البعض منهم مبادرات وطنية وخارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة ولكنها لم تحظ باهتمام رئيس مجلس السيادة قدر اهتمامه بالمؤشرات الخارجية التي تديرها واشنطن عبر أدواتها بالمنطقة، لاسيما أولئك النشطاء من السياسيين المتنقلين بين العواصم الأفريقية والعربية والأوروبية والمتبضعين لدي السفراء والمبعوثين الدوليين، كديدنهم في التنقل من سفارة لسفارة لحل أزمتهم الداخلية وإعادتهم لكراسي سلطة لم يحافظوا عليها كالرجال فبكوا على زوالها كالنساء.
لقد انكشف ظهر المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وتبين للقاصي والداني ضعف وقلة حيلة تنسيقية القوى المدنية (تقدم) والجبهة الوطنية العريضة (جوع) وهوان رئيسهما د. عبدالله حمدوك على الناس، خاصة بعد أن خاب أمل مجلس قحت المركزي في نتائج التفاوض في منبر جدة الذي عول عليه كثيراً في فرض حلول تعيد عقارب الساعة لما قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، ويبدو أن ضغوط انتشار مليشيا الجنجويد في ولايات دارفور واحتلالها لبعض مدن الإقليم لم تثمر شيئاً بالمفاوضات ولم تجلب للجنجويد غير المزيد من النكبات والإدانات الدولية على مسلك “الباشبوزق الجدد” الذي يرتد على قادتهم بالبلاء ويحرج ذراعهم السياسي بين الأمم.
خطاب البرهان أمام قمة الايقاد المنعقدة في جيبوتي يوم السبت ٩ ديسمبر ٢٠٢٣م جيد جداً، ويعد خطوة مهمة نحو الاعتراف الإقليمي والدولي بسلطة رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد عام الجيش السوداني في إدارة شئون البلاد خلال مرحلة الانتقال بعد أن جرت محاولات من بعض دول الايقاد لتجاوز هذه السلطة والمساواة بينها وبين المتمردين عليها من مليشيا الجنجويد، وينبغي على الجنرال البرهان اغتنام هذه السوانح بإعلان تشكيل حكومة طوارئ تمهد الطريق للعملية السياسية وتسد الفراغ السياسي والإداري القائم وتعمل على معالجة إفرازات الحرب وحل أزمات البلاد على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية والخدمية وفق رؤية رجال الدولة من ذوي الخبرة والاختصاص.
لن يتمكن الجنرال البرهان إحراز تقدم كبير في الملفات العسكرية والإدارة السياسية بفريق عمله المعاون الحالي الذي أثبت ضيق أفقه السياسي وقصر قامته في إدارة الأزمات وتغريده خارج السرب ومالم يتغير هذا الطاقم بالكامل سيظل الجنرال البرهان يراوح مكانه بخطاب معسول للجماهير دون مفعول على أرض الواقع، وإن كان البطء، والتردد، والركون للتكتيك والمناورة، والخشية من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، سمات شخصية لدى الجنرال البرهان عليه أن يترجل ويرحل فوراً عن سدة الحكم فلم يعُد هو رجل هذه المرحلة وقائدها المرتقب، وكما قال الشاعر أحمد أبو الطيب المتنبي : (وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ).
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط