*المستبد العادل بديل الديمقراطية بلا ديمقراطيين*
أبراهيم عيسى هدل
hadalcom@hotmail.com
أغلب النخب السودانية تتطلع لنظام غاية في المثالية وتطبيق ديموقراطية وستمنستر البريطانية التي استقرت عبر قرون من الصراعات أو اقتباس فدرالية الولايات المتحدة الأمريكية التي وضع دستورها الآباء المؤسسون منذ ثلاثة قرون مرت خلالها بلادهم بحروب أهلية بين ولايات الشمال والجنوب حتى استقرت على ما هي عليه اليوم من النماء والتطور واستقرار الحكم.
السودان بجغرافيته الحالية دولة أنشأها غزو محمد علي باشا لممالك السودان القديمة (الفونج والفور والمسبعات وتقلي والعبدلاب) وورث المحتل الإنجليزي حكم أبناء محمد علي باشا بعد القضاء على الثورة المهدية .
لم يُجمع أهل السودان على نظام حكم يمثلهم بالتراضي أو على برنامج وطني يوحدهم منذ خروج المستعمر البريطاني حتى اليوم وظل الصراع الحزبي على السلطة يدور بأشكال مختلفة طوال سنوات الحكم الوطني فيما عرف بالدائرة المشئومة (حكم نيابي برلماني يطيح به انقلاب عسكري تشارك به بعض الأحزاب، ثم ثورة شعبية وفترة انتقالية تعقبها انتخابات) لتعيد ريمة لعادتها القديمة من ذات الحلقة المفرغة أو الدائرة المشؤومة .
يُختار نواب البرلمان في الانتخابات الديمقراطية السودانية من أبناء النظار والعمد والمشايخ بالاستناد على تكويناتهم القبلية التقليدية ليشكلوا أغلبية برلمانية تديرها الطائفية السياسية بشراء الذمم والولاءات، ولا يرضي ذلك طموح القوى الحديثة والنخب المتطلعة للمثالية فتلجأ أحزابها للعسكر للقضاء على الحكم النيابي والديموقراطية المزيفة كما حدث من اليسار في ٢٥ مايو ١٩٦٩م بانقلاب جعفر نميري، وكما جرب الإسلاميون في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بانقلاب عمر البشير طوال ٣٠ سنة.
عجزت الانقلابات العسكرية عن تقديم نموذج للديمقراطية والحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة فسقطت، كما فشلت الأحزاب في إدارة الدولة وتنزيل شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة ودولة المواطنة بلا تمييز، وسقطت في اختبار الديمقراطية والحكم الرشيد فكان الانقلاب عليها أمرا حتميا.
الشعب السوداني تواق لانجازات تنموية وحياة معيشية مستقرة واقتصاد مزدهر كما هو الحال في المحيط العربي والأفريقي، حيث تحكم أغلب المحيط أنظمة غير ديمقراطية فالخليج العربي على سبيل المثال به أنظمة انجزت الكثير من مشاريع التنمية والتطوير في بلادها بلا حياة ديمقراطية وأحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وكذلك الحال في كثير من دول العالم الثالث خاصة بالمحيط الافريقي، بل أن بالعالم المتقدم والمزدهر اقتصاديا دولا لا تصنف كدول ديمقراطية كجمهورية الصين الشعبية مثلا بلا مثال ديمقراطي وصلت لثاني اقتصاد بالعالم ينافس الاقتصاد الاميركي في عقر داره !!.
حاول المهندس هاشم بن عوف وزير البنية التحتية والنقل السابق في حوار برنامج التنوير الأسفيري مع الأستاذ سعد عبدالكريم الكابلي التفكير خارج الصندوق ـ بعد تجربة في الاستوزار بحكومة د. عبدالله حمدوك ـ وذلك بالخروج على المسلمات وعدم التقيّد بتطلعات النخب السياسية المثالية وقوالبها المعهودة في دولة يرأسها مجلس سيادة به خمسة أشخاص أو أكثر بلا مهام محددة مع حكومة مدنية عاجزة عن الانجاز ومشغولة بصراعاتها السياسية المستمرة التي لا تعرف حدودا ولا نهاية.
حيث تطرق م. هاشم بن عوف في ذلك اللقاء لفكرة المستبد العادل ـ وإن لم يسمها صراحة ـ الذي يقدم لشعبه منجزات تنموية كبيرة ويقمع جماعات وأحزاب الجعجعة بلا طحن.
وأظن أن الحرب الدائرة اليوم ستقودنا حتما لنموذج الحاكم المستبد سواء انتصر الجنرال البرهان أو لا قدر الله حكمنا “البعاتي” حميدتي فأي سوداني مكانهما لن يضحي بجنوده كل هذه التضحيات الجسام ليسلم الحكم لأحزاب لا تملك غير لسان طويل “يقش ويرش” بجعجعة وكسل وتسويف زيدان الكسلان بكتاب المطالعة بالصفوف الابتدائية سابقا بلا ثمرة وطحن على أرض الواقع .
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط