الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

قحت والدعم السريع: لا تلعب بالنار إن لم يكن بوسعك إخمادها (1-2)

عبد الله علي إبراهيم

ليس صعباً أن نفهم هجوم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) (قحت) على القوات المسلحة والإسلاميين في الحرب القائمة ليومنا في السودان، فقد فُطمت أجيال منهم على معارضة دولة الجيش في السودان ومشروع الإسلاميين لـ”توبة الدولة إلى الدين” في عبارة لشيخهم حسن الترابي.
وسعيد الحظ من يجتمع عليه عصفورا خصومه لكي يصيبهما بحجر واحد، لكن مما قد يستغرب له المرء التقارب الدرامي لـ”قحت” مع قوات “الدعم السريع” بعد طول خصومة، فبدا مما تقرأ لرموز في “قحت” كأنهم يعيدون لمصلحتها كتابة تاريخها معهم. فتجد من يقول إن فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة الدموي في يونيو (حزيران) 2019 كان من تدبير الإسلاميين، ولم تكن تلك الرواية عن المجزرة التي حملت ذنبها لـ”الدعم السريع” حتى وقت قريب.
ومن جهة أخرى، ما ذكروا جريمة قديمة معروفة لـ”الدعم السريع” مثل جرائم الحرب في دارفور منذ 2003 إلا قالوا إنها خطيئة الإسلاميين لأنهم من جيشوهم للغرض، بل قال أحدهم إن “الدعم السريع” هم أبناء “قبائل كريمة ومن شيوخ كرام حوّلهم الإخوان إلى وحوش بشرية”. وميز أحدهم قتال “الدعم السريع” بأنها تقاتل، خلافاً لقتال القوات المسلحة والإسلاميين، بشرف، وما احتلوا بيوت الناس في الخرطوم إلا مكرهين من فرط توحش الجيش.
لكن الأكثر استغراباً بالفعل هو كيف أمنت “قحت” لـ”الدعم السريع” حتى قبلت منها دعواها عن الحرب وما بعدها بغير نأمة ريبة، فزكّى السياسي المخضرم والقيادي في “قحت” ياسر عرمان، “الدعم السريع” لأنها على جانب الصحة في موقفها من الحرب وما بعدها، فقال إن الدعم “تقول عبارات صحيحة بأنها تريد إنهاء الحرب. تريد تحولاً ديمقراطياً. لن نقول لها لا تقولي ذلك. سنختبرها عملياً. دع الفريق أول البرهان والقوات المسلحة تقول الشيء نفسه، وأن يذهبا معاً للتوقيع على الاتفاق الإطاري”. وهذا الإطاري هو الذي انفجرت الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي في سياق خطته للإصلاح الأمني والعسكري. ولا يعرف المرء إن جاز لسياسي محنك مثل عرمان إرجاء الحكم على مصداقية مثل “الدعم السريع” للزمن. فما رآه الناس منها في الحرب والسلم منذ قيامها في 2013 موجب للحذر من دون مثل تزكية عرمان التي تعطل الحكم بالسابقة في انتظار اللاحقة.
وهي تزكية بدا أن قوات “الدعم السريع” استحقتها لأياديها على “قحت” وهي في غمرة الصراع مع الإسلاميين وخصومها الآخرين في الحرية والتغيير طوال النصف الثاني من 2022. فلم يرحب محمد حمدان دقلو بمبادرة الطيب الجد، خليفة الشيخ ود بدر في ضواحي الخرطوم التي تنادى إليها أولئك الخصوم في أغسطس (آب) 2022. فصب حميدتي ماءً بارداً عليها لم ينتظره الإسلاميون منه. كما رحب بمشروع الدستور الانتقالي، مع أنه لم يطلع عليه، وقد وضعته تسييرية نقابة المحامين ذات الميل لـ”قحت” في حين ناصبه خصومها العداء، بل ندد في خطاب له تفريق الدولة بين المتظاهرين بحسب غرضهم، فقال إنها أذنت لخصوم “قحت” بالتظاهر حتى عند بوابة القصر الجمهوري في حين فرقت موكب لشباب المقاومة بالقوة.
وأضاف “أنا مع التغيير، حتى الشباب الذين يسيئون إليّ في الشوارع أنا معهم”، ثم توج ذلك كله بالاعتذار من انقلاب الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) 2012 الذي أطاح الحكومة الانتقالية لثورة 2019 وقال إنه كان خطأ ليعلن التزامه ما ورد في الاتفاق الإطاري حول مبدأ “الجيش الواحد ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة”.
ووجدت “قحت” في تحولات حميدتي المتسارعة إلى صفها نصرة في وجه معارضيها من الإسلاميين وغيرهم وعزاء، فرحبت مثلاً ببيان حميدتي في الـ22 من يوليو (تموز) 2022 الذي اعتذر فيه من الانقلاب وقالت إنه “جاء كامتداد لخطوات تراجع السلطة الانقلابية والتي نتجت من بسالة شعبنا وتمسكه بقضاياه العادلة واستكمال مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة”.
لا يتوقع المرء من سياسي مثل عرمان قضى سحابة صباه حتى الشيخوخة في أسخن محطات السياسة السودانية أن يؤجل الحكم على مشروع قوات “الدعم السريع” إلى يوم في المستقبل. فكان المنتظر أن تسعفه فراسته للحكم عليه من فوق معرفة أدق بنظمها وسلسة القيادة فيها ومواردها وعلاقاتها الإقليمية والعالمية. وهي التفاصيل التي يلبد الشيطان في طياتها في عبارة إنجليزية أشاعها عرمان في خطابنا السياسي.
من جهة أخرى، فهذه ليست مرة عرمان الأولى في التعاطي مع جيش غير نظامي، فكان اختلف مع الحزب الشيوعي في 1988 حول ما وصفه بموقف الحزب السلبي من حركة تحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، ورغب عرمان في أن يرى حماسة أكبر لهما من الحزب، بل انتظاماً من عضويته في سلكهما لبناء السودان الجديد المقطوع من قماشة برنامج الشيوعيين أنفسهم. ولم يتفق موقفه للحزب الذي كان يرى استنفاد النظام الديمقراطي القائم آنذاك بفضل ثورة أبريل 1985. وافترقا ليلتحق عرمان بالحركة الشعبية ويتميز سياسياً بين صفوفها وعند زعيمها.
فماذا كانت محصلة هذا الجيش غير النظامي، الذي هاجر إليه عرمان من وطن ديمقراطي يطلب ديمقراطية أفضل، في الحكم؟ لن نطيل وسنكتفي بالقول إنه لا أحد، بعد أن رأينا من حال جنوب السودان بعد استقلاله، يأتي بذكر السودان الجديد على فمه هذه الأيام. كأن مأمولاً أن يكون جنوب السودان واجهة تسوق للفكرة فصار مقبرة لها.
ونواصل

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)