السبت. يوليو 27th, 2024

ياماما ممكن تعرسي تاني

 

( هذي رؤاي)

 

عبد العزيز عبد الوهاب

 

الحرب كر وفر ، وليس واحد كرٌها وفرها ، ما تقوم به الأجناد والجيوش وفق ما يسمونها ( استراتيجيات الميدان) التي تتطلب رسم الخطط وتمريرها حسب مجريات الأوضاع داخل ساحة المعركة ، بما يحقق أقصى قدر من المكاسب الآنية واللاحقة .

 

فمن الفر ما ينتهي إليه من هم على تخوم الحرب أو نواحيها ، فرٌ ربما لا يرتد كراً ، وذلك بحسب تداعيات المعارك وبؤس تجلياتها على حياة المدنيين والناس أجمعين .

 

وفي الأثناء تنشط موجات النزوح من الخرطوم إلى الولايات هربا من وقع الدانات الطائشات التي تصيب أكثر مما تخطئ .

 

وتظل الرصاصة متهمة حتى وإن كانت بريئة ، حتى ولو كان الهدف خارج مرمى النيران وعلى مسافة كذا وكذا من نبالها.

 

نحواً من 60% من سكان ( سنتر الخرطوم) وحواشيها هم من خارجها كليا أو جزئيا ، وأكثرهم يحتفظ بحق العودة إلى ديارهم الأولى متى أرادوا ، عملا بنظرية ( كراع هنا وكراع هناك )، يحدث هذا في الطقوس العادية أو في الملمات الكبيرة كما هي حرب اليوم.

 

تفتح الأقاليم قلبها قبل أبوابها للقادمين إليها بفرح يشبه البدر ليلة تمامه وبفرهدة وجدان تشبه بشاشة( الأنصار) وترانيمهم المبهرة ، وذلك لبني جلدتها أو ( للأغيار ) ممن لا ناقة لهم ولا جمل هناك ، وإنما قذفهم الدواس الذي يكرهون ، فيفرون منه لا يلوون على شيء .

 

ولا يجد الإقليميون الفضلاء في أنفسهم أدنى موجدة أو حزازة تجاه ضيوفهم حال التندر مثلا (بأهل العوض) ، بالمقابل فإن العوض وربعه تجدهم منهمكون بأوسع طاقة لتوفير أقصى أسباب الراحة النفسية والجسدية للضيوف على نحو لا يضاهى وفي كرم يزاحم الترف .

لكن الخرطوميون مثلي وحين تنهمر المدافع، لا ينخرطون كفاية في التفكير في مغادرة الوطن الأول الذي ألفوه وأحبوه ، وذلك لشيء استقر في وجدان أكثرهم تترجمه أبيات شعر شهيرة للأمير شوقي يقفز منها :

 

وطني لو شغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

 

بل أن نقرات العقارب باتجاه ساعة الصفر الحرجة الحاسمة نفسها قد لا تحرك ساكنهم ، فهذا التراب هو آخر منافيهم .

 

ولأن كل زوجة معلقة في عصبة زوجها ، فإن مرقدها يكون حيث يرقد ووطنها حيث يستكين ويسكن ، أكان منشأها من هنا أو من هناك .

 

لكن الإشتياق والحنين لأيام صباها لابد أن يستعر في نفسها بين حين وآخر إذا لم تكن من بنات البنادر، وهذا هو الحال في بيتنا الآن !

 

فزوجتي ورغم ولاءها المطلق لكنها ظلت تمارس تحشيدا مبطنا لأولادها بغية حملي للسفر إلى طابت المباركة ، حيث نبتت ونشأت هناك .

 

بيد أن جميع الترجيات المبذولة لا ترواح مكانها عندي ليس لأني مكابر أو نافر ، بل لأني موصول بأمتن (حبل سر) مع هذه الأرض الودود ووطن الجدود حلفاية الملوك .

 

لكن الحتالة الفاتح لم ينفك عن التجريب والترغيب لإقناعي بالسفر مرة بعد مرة ، لكنه لما آيس وأفرغ صبره قال لأمه :

يا ماما أرح نسافر سوا وهناك ممكن تعرسي تاني …

 

ودمتم

About Author

 للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط

صحيفة السياسي (1)

صحيفة السياسي (2)

صحيفة السياسي (3)

صحيفة السياسي (4)

صحيفة السياسي (5)