قصة مصطفى سوداني يرفض النزوح للاعتناء بحيوانات وأشجار الحي الذي يسكنه
دانة جبريل
بي بي سي نيوز عربي
نزح نحو 80% من سكان الحي الذي يعيش فيه مصطفى
مع ساعات فجر يوم السبت الماضي، كان مصطفى أبو الحسن نائماً في منزله في حي الوادي في أم درمان في الخرطوم، عندما أصيب برصاصة طائشة دخلت من نافذة غرفته، وأصابت ساقه.
هذه الرصاصة كانت جزءاً من اشتباك عنيف امتد طوال تلك الليلة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما منع مصطفى من الوصول للمستشفى، بسبب صعوبة التنقل تلك الليلة.
تحرّك شباب من لجنة أهالي الحي، ممن كانوا مستيقظين في تلك اللحظة لحراسة المنازل التي تركها أصحابها بسبب العنف الدائر في البلاد، وحملوا مصطفى إلى منزل أحد الأطباء الذي يسكن في نفس الشارع، إذ تمّكن الطبيب من إخراج الرصاصة باستخدام أدوات طبية بسيطة، وعاد مصطفى لمنزله، مع توصية طبية بعدم التحرك حتى يشفى الجرح خلال أسبوعين.
تحولت حياة مصطفى بالكامل منذ بدء الاشتباكات المسلحة في الخرطوم، في الـ15 من أبريل/ نيسان، إذ نزح معظم أهالي حي الوادي إلى أقاليم مجاورة، وبقي هو وزوجته وابنته في المنزل يرفض المغادرة “أنا متعلق ببلدي جداً، وحتى لو متْ أتمنى أن أموت فيها، لا أريد أن أهاجر”.
هذا التعلق الشديد بالبلاد لم يدفعه للبقاء فيها فحسب، بل لأن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على أشجار ونباتات وحيوانات منطقته.
يستيقظ مصطفى في كل صباح، على موعد صلاة الفجر، يصلي ويخرج من منزله باتجاه المنازل التي نزح عنها أصحابها في الحي ليسقي الأشجار والنباتات في تلك المنازل، “الفكرة ليست فقط في سقي الأشجار، بل هناك أيضا حيوانات وقطط وكلاب يجب الاعتناء بها”.
استمر مصطفى على هذا الحال منذ بدأ أهالي الحي مغادرة منازلهم حتى أصيب بالرصاصة في قدمه، يمشي لمسافات طويلة كي يصل لأكبر قدرٍ ممكن من المنازل في الحي، إذ تتنوع الأشجار في تلك المنازل من الحمضيات إلى الورود إلى نباتات الريحان، وتختلف كذلك أنماط الزراعة والري لتلك النباتات، بعضها يحتاج للري بشكل يومي، وآخر يتطلب الري بشكل متقطع، ” أنا أسقي الأشجار كل يوم وإن كانت هنالك اشتباكات أنتظر اليوم التالي وهكذا”.
في بعض الأحيان، تمنع حدة الاشتباكات مصطفى من أن يقوم بجولته في الحي، لكنه يستغل كل لحظات الهدنة المتاحة لري الأشجار وسقي الحيوانات.
علاقة مصطفى مع هذه الأشجار والحيوانات، تعبّر عن علاقة أوسع تربط الشعب السوداني مع البيئة الخصبة التي يعيش بها، إذ يتصدر السودان قائمة دول إفريقيا من حيث المساحة الصالحة للزراعة بما نسبته ثلث مساحته الإجمالية، والأكثر وفرة في موارد المياه، ويمتلك أكثر من 100 مليون رأس من الماشية، فيما تعتبر الخرطوم المصدر الأول للحوم والأغنام والماشية والأبقار لكثير من دول أفريقيا وبعض دول الخليج.
هذه البيئة دفعت الكثير من السودانيين لأن يمتلكوا المعرفة والخبرة في التعامل مع النباتات، يقول مصطفى إنه يعرف ما تحتاجه الأشجار المختلفة التي يزرعها الجيران، من المانجا إلى البرتقال والليمون والرمان والنخيل وغيرها من النباتات، ويضيف” نحن شعب نحب الزراعة، وأينما رميت بذرة تنبت”.
منذ أن بدأت المعارك والإشتباكات المسلحة في السودان، تقدّر هيئات أممية أن عدد النازحين وصل لـ700 ألف شخص، ويقول مصطفى أن حوالي 80% من سكان الحي الذي يقطنه غادروا منازلهم، وتركوا وراءهم كل ممتلكاتهم وأغراضهم، بما فيها النباتات والأشجار المزروعة في محيط المنازل.
لكنْ مصطفى رفض أن ينزح لمنطقة أكثر أمانًا، لشدة تعلقه بمنطقته ومدينته، ولا يزال بعد إصابته مصراً على البقاء، ويقول:” لدي أمل في أن يعود الناس، وتعود الحياة بعد الموت، ولا أريد للشجر أن يموت”
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط