لله وللتاريخ .. صرخة لمن يلقي السمع
بقلم / فتح الرحمن يوسف
في جوّ مشحون بالحزن والأسى لما آل إليه الحال في السودان، ربما تجبر الدموع العصيّة على السقوط وإن حاولت أن تتماسك، مع لحظة إلقاء التحية لبعضنا البعض وتبادل التهاني بعيد الفطر المبارك ليس فرحا بحلول العيد بقدر ما هي تحية سلام ومحبة تستوجبها صباحات العيد، الذي غطى شعاع نوره دخان وأزير الرصاص في حمى السودان وخرطوم اللاءات الثلاث .
للأسف الشديد، وتحت عنوان (جمهورية الخرطوم المسلحة)، كنت قدت تنبأت في مقال نشرته في صفحتي على الفيس بوك قبل أكثر من سنة من احتمال حدوث مثل هذا الاشتباكات بين قوات الشعب المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة التي وجدت فرصة التمدد والانتشار في العاصمة تنفيذا لاتفاقية (سلام جوبا)، إن لم نسرع بمعالجة وضعها ودمجها تحت جيش واحد بعقيدة وطنية واحدة بمعايير فنية وتقنية مختبرة وقادرة على الحفاظ على عقيدة الجيش الوطنية ..
كان خلاصة المقال، الخشية من تطور انتشار قوات الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع في أحياء الخرطوم، إلى نواة إلى حرب أهلية لا هوادة فيها تقضي على الأخضر واليابس إن لم يتم تهيئة الأجواء والتسريع بدمج كل القوات والحركات في الجيش السودان كونه المؤسسة القومية الوطنية وقوة دفاع السودان الأصلية ..
الآن، لا أودّ العودة إلى التحليل السياسي للموقف، فالحصة وطن ووطن فقط فالقاتل والمقتول سوداني والدمار دمار للوطن ومزيد من المعاناة لشعب لا يستحق هذا الشقاء والعناء..
ولكن قبل كل ذلك، لابد علينا جميعا التحلي بالوطنية وذلك بالتجرد والتحرر من كل أيدولوجية وأفكار إقصائية، فإن لم نفعل ذلك فلن تقم لنا قائمة ولن نجد وطنا نتحارب عليه أو حكومة مرض عنها من قبل السواد الأعظم ..
وبعيدا عن الخلاف حول الاقتتال بين الجيش السوداني والدعم السريع، وبعيدا عن وجهات نظر البرهان وحميدتي، لابد من الجنوح إلى توحيد كل هذه القوات تحت جناح قوات الشعب المسلحة (الجيش السوداني)، ولو انطلق حوار في أي وقت لابد من أن ينتهي إلى هذه الصيغة على المستوى العسكري، وفق المعايير العسكرية الفنية والتقنية التي تعزز عقيدة الجيش كمؤسسة قومية واحدة.
لابد من الاستفادة من خبرات جنود الحركات المسلحة والدعم السريع وغيرها من الوحدات العسكرية التي تحاول أن تعمل دون إمرة من الجيش السوداني الواحد الموحّد، في بنية الجيش السوداني كمؤسسة قومية وطنية واحدة، مع ضرورة عدم الجنوح إلى تصفيتها بشكل درامي تراجيدي ربما يولّد ضغائن ويغذي خلايا ومليشيات تنشر في الجسد السوداني كانتشار السرطان في كل أجزاء وأعضاء الجسم، تنتهي بديمومة التمرّد على الحكومة السودانية ولو كانت حكومة مدنية ديمقراطية 100 في المائة، فالأخير تحتاج إلى حراسة وحماية من تآكل بعضها البعض، ولن يحدث ذلك إلا بجيش سوداني واحد، وإلا فلن يبقى هناك وجود جغرافي أو بشري باسم السودان الذي عرف به من ثراء حضاري وبشري وطبيعي لا مثيل له في الدنيا..
فإن كان هناك 17 انقلابا عسكريا حصل في السودان منذ استقلاله وحتى الآن فكلها انقلابات حزبية فئوية، لم نحصل منها غير البؤس والشقاء والعناء، جاءت اللحظة لبناء جيش سوداني واحد بعقيدة وطنية سودانية، ليكون جيش كل السودان كمؤسسة قومية، لا تعمل لصالح جهة او حزب أو تيار، ولكنها في الوقت نفسه تستوعب كل الأيدلوجيات والطوائف والأحزاب لأنها أفكار لا يمكن محاربتها ومصادرتها بالإقصاء أو الاحتراب، شريطة أن تخضع لقانون صارم ليس فقط يجرّم استغلال أي منها لحساب تيار أو جهة أو حزب ما ولكن يحاسب بشكل أكثر صرامة من يقترف مثل هذا الذنب ..
وإلى أن نصل إلى هذه المحطة من الصيغة العسكرية فالهدنة ضرورة ملحة لابد من العمل عليها بإلحاح لإنقاذ الوضع الإنساني المأساوي، إذ لا يمكن القبول بوجود أشلاء وجثث على الطرقات دون أن تجد اليد التي تأخذ بها إلى الوضع الإنساني المطلوب وإكرامها بالدفن .
ومع كل ذلك، يمكن القبول بتساقط القتلى والمصابين والجرحى بهذا الكم الهائل من أبناء جلدتنا دون الإسراع بتلافيها وإسعافها ..
وعلى القوة السياسية بشتى تياراتها وأيدولوجياتها، أن تتعظ فالسعيد يتعظ في غيره والشقي يتعظ في نفسه، والمبادرة بوعي وطني يتسامى على الجروح الغائرة والخلافات المستدامة، قبل أن يتم تدويلها وتحريكها بتيرموميتر خارجي يحقق مصالح خارجية على حساب السودان الشعب والسودان الوطن ..
ولابد من معالجة الخلل الذي صاحب كل الأحزاب التقليدية والمستحدثة من محاولة استغلال الجيش لتنفيذ اجندة تعبر عن فئة من الشعب دون سائر الشعب ..
فإن كان هناك مبادرة قومية يقوم عليها بعض من الطيف السياسي، فلابد أن يصطحب معه هذه الرؤية العسكرية الوطنية البحتة، مع إخضاع الكل لهذا المعيار العسكري الوطني ..
وعلى القوى السياسية والحزبية وقوى الحرية والتغيير إلى تسمو إلى مستوى الحدث، إذ لا يكفي الدعوة لطرفي النزاع لضبط النفس والهدنة، ولكن عليها بالتوازي مع ذلك أن تنشط لاستلام جيش واحد يجمع كل القوات السودانية والدعمة والحركات المسلحة وفق معيار تقني وفني مختبر بحكمة وبقوة وبضمانات، وتشكيل حكومة انتقالية تكنوقراطية مستقلة مدتها عامان فقط، تنتهي بانتخابات مراقبة دوليا وداخليا بشفافية، ولتأتي بمن تأتي به طالما يمثل الغالبية الغالبة للشعب السوداني، مع اخضاعها لمراعاة حقوق الآخرين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة والمساءلة والمحاسبة، تصطحب فيها اقتلاع كل أنواع الفساد بشكل علمي تقني وليس بالبندقية ..
وحذاري أن تكون حكومة انتقالية مستنسخة متمادية متحاربة متشاكسة مستطيلة الأمد متكاثرة بالسرطاني الجهوي الأيدلوجي،
حكومة تكنوقراطية مدتها عامان، لا تتأخر عن موعدها المضروب قيد أنملة ولو على طريقة (الاجتماع بمن حضر)
كفى تسويف وتطويل وآمال وأحلام كابوسية ..
اللهم إني استودعتك بلادنا الحبيبة وشعبنا العظيم فاحفظ العباد والبلاد من الفتن ما ظهر منها وما بطن
كسرة: أحبابنا في السودان وخارجه في هذا الظرف المأساوي، اسمحوا لي رغم الأسى والإحن أن ألقي عليكم تحية العيد وكل عام وأنتم بخير والعام القادم (وطن حدادي مدادي .. وطن خيّر ديمقراطي .. اللي بنحلم بيهو يوماتي ..)..
صحيفة الشرق الأوسط
About Author
للإنضمام الي إحدي مجموعاتنا علي الواتس اب اضغط علي الروابط